اللاجئ السوري في السعودية مجرد زائر والعمليات الجراحية مكلفة

يسألون عن الوجهة

يسألون عن الوجهة

" لن اتمكن من تلقي العلاج المجاني فهو فقط للسعوديين، والتكلفة كبيرة جدا وخاصة أننا كلاجئين هنا نحمل مسمى زائر، لا يحق لنا العمل."

(الرياض-السعودية) الألم تزداد وتيرته، بعد أن شخّصوه على أنه مجرد قولون عصبي. بسبب ما نعانيه من ضغوطات.
أحسست أن أحشائي ستنفجر من شدة الألم، وعانيت من دوار كان سببه ارتفاع في الضغط، وأنا لازلت أشك بقول الأطباء، لايمكن أن يكون مجرد قولون عصبي. أصبحت لا أقوى على المشي. ولكني كنت أشجع نفسي التي لم أرها ضعيفة أبدا ، ولكن الألم لم يرحمني.
ذهبت لإجراء أشعة مقطعية بمستشفى خاص، لم أكن مقتنعة بنتائج التحاليل والأشعة السينية. احتار الاطباء بنتيجة الصورة حيث أن هناك تضخم كبير بجزء من القولون تسده كتلة لم يعرف ماهيتها.
أنا أم لأربعة أبناء. يتوزعون على المرحلتين الثانوية الابتدائية. هربت بهم مع زوجي الى المملكة العربية السعودية ليحصلوا على التعليم. كنت قد مكثت سنتين في لبنان هرباً من الحرب في بلادي، بعد أن ضاع كل ما بنيناه في حياتنا. بيتي عملي أهلي لم أر أعظم من أولادي كنزاً أنقذه من دوامة الحرب قبل أن تغرقنا.
بعد أن وصلت إلى المملكة العربية السعودية أدركت أن مثلها كمثل كل البلدان العربية. لن اتمكن من تلقي العلاج المجاني فهو فقط للسعوديين، والتكلفة كبيرة جدا وخاصة أننا كلاجئين هنا نحمل مسمى زائر، لا يحق لنا العمل.
ضاقت بي السبل لعدم وجود المال لتأمين مصاريف العلاج. الأطباء الأكفاء والأجهزة المتطورة حكر على المستشفيات الحكومية، التي لا تستقبل سوى مواطنيها. قررت أختي أن تدخلني إلى المستشفى بشكل طارئ على أنني هي، بعد أن وصلت لمرحلة الموت .
هي قريبة مني بالعمر، ووضع غطاء الوجه هناك جعل الأمر ممكناً، فهي زوجة مواطن سعودي ويحق لها ما يحق للسعوديين.
دخلت المستشفى قسم الاسعاف، وإذا بطبيب فظ تعامل معي بخشونة. أراد أن يدخل لي أنبوباً من الأنف للبلعوم فالمعدة، يسحب بعض الضغط من الجهاز الهضمي، ويدخل لي منه سائل للأشعة المقطعية لأنني لا أقوى على الشرب.
بعد أن أدخله أحسست بالاختناق، لم أعد أستطيع التنفس والدكتور يهددني بأني إن لم استسلم للأمر لن يستقبلني مرة أخرى في المستشفى. وجدت نفسي أنزعه وأصرخ فيه بأني لا اريد المكوث بالمستشفى أبدا.
خرجت وأنا غارقة بالدموع لعدم قدرتي على التحمل من شدة الألم بعد محاولات عديدة من زوجي وأختي لاقناعي بالبقاء بالمستشفى والمحاولة من جديد.
ذهبت الي بيتي أتألم ولا أعرف ما الذي أريده وكيف. أدعو ربي أن يخرجني من هذه الأوجاع بقدرته. جاءت إلي ابنتي وقالت: “لابد من ذهابك مرة أخرى الى المستشفى ولن أسمح لك بالاستسلام” .
كانت جدية وقوية بشكل لم أعهده فيها. طفلتي المدللة في لحظة أصبحت أمي الحكيمة. تبادلنا الأدوار، منذ هذه اللحظة رأيت نفسي مجبرة على الاصغاء لها. في نظراتها ما لم تستطع أن تقوله. ولكني أحسست بها تقول في سرها: “أريدك الأم القويه التي عهدتها، تتخطى كل الألم لتبقى بقربنا، لا زلنا نحتاجك وسنبقى كذلك، أنا وأبي وأخوتي لن نسمح لك بالاستسلام”.
هذه المرة ذهبت هي معي إلى المستشفى. دخلت الاسعاف وقد كنت أحس أن أحشائي ستنفجر بأي لحظة من شدة الألم. هذه المرة صادفت طبيبة لطيفة أدخلت لي هذا الأنبوب اللعين بهدوء وابنتي بجانبي تعطيني الصبر والقوة. ذهبوا بي إلى غرفة التصوير بالأشعة مرة أخرى. هذه المرة كانت صورة ملونة.
تأخرت الطبيبة في إعطائنا النتيجة، وأنا أصرخ من شدة الألم، وابنتي تركض بين غرف الأطباء حتى يخرجوني من هذه الآلام. ولم نكن نعي أن الطبيبة اتصلت بالاستشاري الجراح ليأتي فورا إجراء عملية جراحية .
الاستشاري أخبرنا بوجود ورم كبير يسد الأمعاء، وبحاجة لاستئصاله فوراً. لم أكن مهتمة بما قاله الطبيب، كان الأهم أن أخرج من الألم الذي لم أعد أطيقه. خرجت ابنتي تبكي حتى لا أراها ضعيفة. كانت هي قوتي، جاء زوجي وأختي فأخبرتهما عن حالتي.
الاطباء أخبروني عن احتمال وضع كيس تفريغ يوصل بأمعائي للخارج، في حال استحال وصل الامعاء. أخافني هذا الأمر أكثر من العملية. ولكن لا مجال للرفض أبدا فأنا أحس أن الموت يقترب أكثر.
أسرعوا بي إلى غرفة العمليات، وكانت العملية. شهر كامل أمضيته بالمستشفى أعيش على المغذي وخمسة من الأنابيب موصولة بجسدي، ضعيفة متألمة. عائلتي كانت حافزي، زوجي وأطفالي كانوا هم دافعي للبقاء والمقاومة حتى أتغلب على المرض.
صحيح أني مررت بوقت عصيب جداً، ولكن رحمة الله كانت أكبر بكثير. بعد الاستئصال تم تحليل الورم على أنه سرطاني من الدرجة الثالثة وحاجتي لجرعات الكيماوي. قدر لي الله الذي هو خير حافظا وهو أرحم الراحمين أن أعاني من هذا المرض.
تفاصيل العملية الجراحية والألم الذي أحسست به ومعنى أن يهب الله للانسان فرصة جديدة للحياة، وشعوري في غرفة لعناية الخاصة، تلك الغرفة المخصصة للعلاج الكيماوي لمرضى السرطان، وما كانت تخبئه من قصص لمرضى عانوا من نفس هذا المرض. هي حكايات تستحق أن تروى.
وتبقى غصة في قلبي أني سرقت حياتي هناك سرقة، فلولا وجود أختي المتزوجة من مواطن سعودي، لكنت أنا الآن في عداد الأموات. ليس من حقي العلاج دون دفع تكاليف فاللاجئ لا يجد أرضا يقف عليها ببلد عربي لا يحس بمعاناته، إلا من خلال الشعارات والفخر باحتوائه.
جدة الياسمين (42 عاماً) خريجة جامعة دمشق في مجال السكرتاريا، متزوجة وأم لأربعة أبناء، كانت تعمل كمعلمة معلوماتية في غوطة دمشق قبل أن تنزح إلى لبنان ومنه إلى السعودية التي تركتها بسبب ظروف المعيشة الصعبة. عادت إلى لبنان حيث تعمل اليوم كمتطوعة في منظمة تعنى بالأطفال. وتحلم بالسفر إلى بلد أجنبي من اجل توفير حياة كريمة لأبنائها.