اللاجئون السوريون في تركيا بين الغرامات والتزوير
عمر يوسف
رانيا: “أصحبنا أمام خيارين إما الغرامة المالية أو دفع المبالغ الكبيرة للحصول على الإقامة”.
(غازي عنتاب- تركيا) اعتمدت تركيا منذ مطلع العام الحالي قانونا جديداً يتعلق بإقامة اللاجئين السوريين على أراضيها، الذين قارب عددهم المليوني لاجئ، يقيم معظمهم في المدن الكبرى وفي مخيمات النزوح.
ويسمح القانون الجديد للسوريين الذين يعتزمون العبور ذهاباً وإياباً بين البلدين قضاء ثلاثة أشهر فقط من كل ستة أشهر داخل تركيا أو مواجهة غرامة قدرها 570 ليرة تركية (250 دولاراً). وكان العابرون برا معفيين من دفع الغرامات، إلا أن القانون الجديد ألغى هذا الإعفاء. على أنه لن يسمح بالدخول للأشخاص الذين يصلون إلى الحدود من دون جوازات أو وثائق سفر صالحة. وهذا بحسب ما أوضحت وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة.
وبحسب الأجواء تأتي هذه الإجراءات بعدما استشعرت الحكومة التركية خطر الوافدين غير الشرعيين، وما يترتب عليه من نتائج اجتماعية وسياسية، لا سيما مع ظهور التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق كتنظيم الدولة الإسلامية، وحركة العبور الكثيفة ضمن المعابر الحدودية مع الشمال السوري.
وكانت الاتفاقية بين تركيا وسوريا والتي يعود تاريخها للعام 2009، تمنح المواطن السوري الذي يحمل جواز سفر، إقامة مؤقتة مدتها ثلاثة أشهر، على أن كل من يتواجد على الأراضي التركية بعد هذه المدة مخالفاً يتوجب عليه دفع غرامة مالية عند الخروج عبر المعابر والمطارات التركية، ومنع العودة إلا بعد مدة تترواح بين الشهر والخمسة أشهر بحسب مدة المخالفة. إلا أنه وبسبب الأوضاع الإنسانية في سوريا تم تعليق العمل بهذا القانون قبل أن يتم تعديله ومن طرف واحد وبدء العمل بموجبه منذ مطلع العام الجاري.
يقول محمد بارودي (28 عاماً) وهو صحفي يعمل في إذاعة مؤيدة للمعارضة السورية في غازي عنتاب : “منذ بداية المعارك في سوريا توجه غالبية سكان الشمال إلى تركيا، ومعظمهم كان ضمن الإقامة المؤقتة، وكانت الحكومة التركية تغض الطرف عن المخالفين لمدة الثلاثة أشهر عند الخروج والعودة، لكن التزايد الكبير لأعداد السوريين جعلها تعيد تفعيل المخالفة عليهم”.
ويعتقد بارودي: “أن إعادة تفعيل هذا الإجراء هدفه دفع السوريين إلى الحصول على الإقامة، وتعطيل تجاوزات السوريين وخصوصاً تلك المتعلقة بالوضع الأمني، لا سيما مع غياب رؤية واضحة لحل سياسي في سوريا في الوقت الحالي على الأقل”.
وتعاني فئة كبيرة من السوريين من مشكلة فقدان جوازت سفرهم وضياع وثائقهم الرسمية، لاسيما مع نزوح الآلاف من منازلهم تاركين ورائهم كل شيئ هرباً من الموت المحقق. وهذه الفئة لن تسطيع الحصول على إقامة بل ما يعرف ببطاقة التعريف البيضاء، ولكن المشكلة أن من يحصل عليها لن يعفى من مخالفة الإقامة المؤقتة .
غزوان المصري رجل أعمال سوري يحمل الجنسية التركية وهو خبير اقتصادي، يوضح عبر موقع “ترك برس” بأن هوية التعريف المؤقتة للحماية ”تمنح للاجئين السوريين والعراقيين لمن لا يحملون جوازات سفر، وذلك ضمن قانون الأجانب والحماية المؤقتة مع التأكيد أنها لا تعفي الأجنبي من دفع الغرامة إذا قرر مغادرة تركيا”.
أما الإقامة المؤقتة، والتي تعفي المواطن السوري من المخالفة فتتطلب شروطاً قد تكون صعبة على قسم كبير من السوريين الهاربين من جحيم الحرب.
الشرط الأول هو امتلاك جواز سفر ساري المفعول، وهي معضلة يعاني منها نسبة لابأس بها من السوريين، فالقنصلية لا تجدد الجوازت للمطلوبين أمنياً او من عليه شبهة، وحتى النظيفي الصفحة الأمنية يعانون من مساومة موظفي القنصلية البعيدة في اسطنبول بأقصى شمالي البلاد.
أما الشرط الثاني فهو بطاقة ضمان صحي من إحدى الشركات التركية، برسم سنوي لايقل عن 350 دولاراً أمريكياً
ويبقى الشرط الثالث والذي يبدو الأصعب، وهو امتلاك حساب بنكي بقيمة ستة آلاف دولار أمريكي (أي ما يعادل اليوم مليون وربع ليرة سورية تقريباً) وهو مبلغ ليس من السهل أن يمتلكه الكثيرون، لاسيما بعد خسارة النازحين لأرزاقهم وأملاكهم في بلدهم الأم.
رانيا (37 عاماً) ربة منزل مقيمة في مدينة غازي عنتاب تقول: “إن شروط الإقامة مجحفة للغاية، فتأمين مبلغ ستة آلاف دولار أمر صعب في هذه الظروف، كما أن الحصول على جواز سفر نظامي أمر عسير هذه الأيام، ناهيك هن شرط التأمين الصحي الذي قد لا نستفيد منه على اللإطلاق”
وتضيف رانيا: “نحن كمن هرب من الدلف إلى تحت المزراب، فأصحبنا أمام خيارين إما الغرامة المالية أو دفع المبالغ الكبيرة للحصول على الإقامة”.
ومع تعذر الحصول على جواز سفر سوري للنازحين في تركيا، يلجأ البعض ممن انتهى مفعول جوازه أو من لا يملك جوازاً إلى مافيا التزوير التي تلقى رواجاً هائلاً في المدن الحدودية التركية، حيث يتواجد السوريون بكثرة كمدينتي كلس وغازي عنتاب.
محمود (31 عاماً) وهو عامل في مطعم، مطلوب أمنيا للسلطات الرسمية نتيجة انخراطه في المظاهرات الداعمة للثورة، يتنقل بين تركيا ومدينة حلب الخاضعة للمعارضة حيث كان يعمل سابقا في محل لبيع الملبوسات، وقع فريسة لإحدى هذه الشبكات الناشطة في صناعة جوازت السفر المزورة.
ويقول محمود : “انتهت مدة صلاحية جواز سفري منذ سنوات، ومع استحالة التجديد بحكم وضعي الأمني التجأت إلى أحد السماسرة الذي أخبرني أن الأمر مضمون مئة بالمئة ولا يمكن التمييز بين الأصلي والمزور”.
ويكمل محمود قائلا: “خلال أقل من أسبوع حصلت على جواز سفر بعد دفع 500 دولار وبدا الجواز جيدا، لكن السلطات التركية اكتشفت أمري على المعبر وقامت بتمزيقه، ما اضطرني للدخول عبر التيل بواسطة المهربين”
يدرك السوريون يوماُ بعد يوم أن الحكومة التركية ماضية في اجراءاتها الأمنية تجاههم، وهو ما يشكل ضغطاً نفسياً يزيد من ألم النزوح وفراق الوطن، فهل تنتهي الحرب ويعود السوري سائحاً إلى تركيا، أم أن التغريبة السورية أصبحت أمراُ واقعاً لا مفر منه !