الكبتاغون مخدر الحرب في سوريا
تشهد صناعة الحبوب المخدرة أو الكبتاغون والإتجار بها ازدهارا لافتاً في سوريا منذ العام ٢٠١١، وبعد ازدهار هذه التجارة الممنوعة في الآونة الأخيرة أصبحت سوريا بلد تصدير.
يقول أبو أحمد (٢٧ عاماً) وهو أحد عناصر النظام المنشقين: “كنت أخدم في الفرقة الرابعة حتى انشقاقي، وعند تكليفنا بمهمات المداهمات أو الاقتحام، وقبل انطلاقنا بدقائق كان يأتي الضابط المسؤول، ويقوم بتوزيع مظروفات في كل منها ٤ حبات بيضاء على مجموعات معينة من العناصر المقاتلة، قائلاً أنها حبوب منشطة، تزيل التعب والخوف، وتساعدنا على الاستيقاظ لفترة طويلة، وتمنحنا قوة خارقة”.
يضيف أبو أحمد : “كنا نشعر بالنشاط والقوة فور تناول هذه الحبوب، لكننا ندخل بحالة جنون هستيرية. قمنا بإحراق أبنية، وإطلاق النار على أي شخص نراه في طريقنا، وتسببت أيضاً بمقتل الكثير من عناصر النظام، فكنا نسير بحسب الخطة الموضوعة دون وعي أو تفكير لتدارك الموقف الذي وقعنا فيه”.
يتذكر أبو أحمد: “في إحدى المرات كنا نسير في طريق معرض للقنص وسقط العديد من العناصر بين قتيل وجريح، ومع ذلك بقينا نتابع مسيرنا في الطريق ذاته، لأننا لم نجد بيننا من يملك وعيه لينصح الآخرين بتغيير الطريق أو التوقف عن المسير”.
لم يقتصر تناول هذه الحبوب على مناطق سيطرة النظام أو بين عناصره فقط، فقد لاقت رواجاً كبيراً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية أيضاً، وتناولها الكثير من المنتسبين لكتائب الثوار، وبالمفهوم ذاته.
أبو هشام (٣١ عاماً) وهو أحد عناصر المعارضة المسلحة يقول: “لا أحد يجهل ما للحبوب المخدرة من أضرار، وكنت أعلم تمام العلم أنها طريق الهلاك، لكن هذا العلم لم يكن كافياً لمنعي من تعاطيها”
يروي أبو هشام: “كان أحد أصدقائي في إحدى المجموعات المسلحة يتعاطى هذه الحبوب، وكان الجميع يتكلم عن شجاعته وقدرته على الصمود والاقتحام، دون معرفة السبب الرئيسي لذلك، وقد عرض علي ذات يوم التعاطي، فلم أتردد وكانت هذه البداية، ومع الأيام أصبحت أشتريها بأسعار باهظة ولا أستطيع التخلي عنها، فكانت تمنحني نشاطاً كبيراً، وجرأة لم أتوقعها من قبل”.
ويضيف أبو هشام: “حين انكشف أمري، نعتني الجميع بالمتعاطي. وضعني قائد مجموعتي بالسجن لمدة ثلاثة أشهر مع بعض النصائح الإنسانية والشرعية من المسؤولين. الندم يقتلني، فكلما تخيلت وضعي لو لم أقدم على هذه التجربة المريرة، وسمعتي التي ارتبطت بالحبوب، شعرت بندم قاتل، ولكن (قدر الله وما شاء فعل)”.
الطبيبة رولا أخصائية الجراحة العصبية تقول لحكايات سوريا: “كانت تستخدم حبوب الكبتاغون سابقاً في علاج الصرع والانفصام والإدمان على المسكرات والشقيقة المعروف بالصداع النصفي”.
وتضيف الطبيبة رولا: “منظمة الصحة العالمية أدرجت الكبتاغون في قائمة الحبوب الممنوعة باعتباره من أكثر المواد التي تؤثر على العقل، فيؤدي تناوله إلى حدوث هلوسة في السمع والبصر، وتضعف قدرة الإنسان على مقاومة الأمراض باعتبارها تسبب نقص في كريات الدم البيضاء، إضافة إلى حدوث نزيف في المخ يؤدي إلى الموت في حال التناول المفرط”.
أما عن تركيبتها فيقول المخبري عماد الديري (٤٧ عاماً) : “تعتمد حبوب الكبتاغون في مكوناتها على مادة الأمفيتامين التي يتم الحصول عليها من أحد أنواع البنزين بعد تحويله إلى مادة المازوت، وأن كل لترين بنزين تنتج نحو ١.٥ كيلوغرام من الأمفيتامين، يضاف إليها كمية من الكافيين السائل واللاكتوز لتصبح جاهزة لإنتاج الحبوب”.
ويضيف الديري: “إن الكبتاغون سهل الصنع ويمكن إنتاج ملايين الحبات في مساحة صغيرة دون إصدار أي ضجة”.
وبالرغم من الانفلات الأمني الذي تعيشه المناطق المحررة في سوريا إلا أن أجهزة الشرطة الحرة تعمل على ملاحقة التجار والمروجين في المناطق الخاضعة لسيطرتها لضبط هذه الظاهرة والحد من انتشارها.
يقول قائد الشرطة الحرة في ريف حلب العميد أديب الشلاف: “ضبطت مجموعة من عناصرنا منذ أيام، اثنين من أكبر تجار الحبوب المخدرة في المنطقة، وكان معهما أكثر من ٢٠٠٠ حبة مخدرة من نوع كبتاغون وعدة غرامات من مادة الكوكايين القاتلة، إضافة لما يقارب ٥٠٠ حبة من نوع سيدا فيت بلاس”.
ويشير الشلاف إلى أن “التاجرين قاما بتهريبها من مناطق عفرين وجرابلس لبيعها في محافظة إدلب وريف حلب. تجار المخدرات يستهدفون الأطفال والمراهقين والبعض من البالغين المدمنين، وقمنا بإحالتهما إلى المكتب المسؤول في القوى التنفيذية لاتخاذ الأحكام المناسبة بحقهما، والتي قد تصل إلى السجن لمدة ٥ سنوات وذلك بحسب كمية الحبوب المضبوطة والكمية المهربة مسبقاً، كوننا حذرنا من ترويجها والإتجار بها مسبقاً، كما أطلقنا عدة حملات توعية في المدارس والشوارع العامة”.
وفي مسألة شرعية عن تناولها يقول الشيخ أبو عبدالله (عضو الهيئة الشرعية) لموقعنا: “هذه المادة محرمة بإجماع العلماء، فلا يجوز تناولها كونها تشتمل على أضرار صحية وتذهب العقل، وتعتبر مدخل لتناول غيرها من المحرمات كالهيرويين والحشيش، أما بالنسبة للحبوب المنشطة التي لا تذهب العقل فنعود في معرفة أضرارها إلى أهل الخبرة من الأطباء”.