القبضة رفيقة الليل والنهار

امرأة تتسوق الخضار وتحمل أكياس الخضار كغيرها من النساء السوريات بدلا من الرجل كون زوجها اما شهيدا او في عمله ليؤمن قوت عياله تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

امرأة تتسوق الخضار وتحمل أكياس الخضار كغيرها من النساء السوريات بدلا من الرجل كون زوجها اما شهيدا او في عمله ليؤمن قوت عياله تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

"طلبت من زوجي شراء جهاز لاسلكي أو ما يعرف بالقبضة، حيث يتولى بعض الشبان رصد حركة الطيران وإرسال التحذيرات عبرها، لكي يتخذ المواطنون حذرهم. وفعلا وافق زوجي وأحضر لنا قبضة. أصبحت القبضة رفيقة الليل والنهار. "

نهله المصطفى

نزحنا إلى بلدة معرة حرمه، بعد أن سيطر الجيش على قريتنا. ولم يكن قد مضى على نزوحنا زمن حتى جاءت أختي الكبيرة مريم لزيارتنا.

عصر يوم الخميس في 20 آب/أغسطس 2015، كنت أنا ومريم نشرب القهوة. كنا نتحدث عن كل شيء. من الذكريات الجميلة إلى الواقع المؤلم. كنا قد صلّينا بعد آذان العصر. ودعونا أن نعود إلى منازلنا. كنت أحلم بأن أعود إلى الوراء لأرى منزل أهلي، ومنزلي الذي أنجبت فيه أبنائي وربيتهم.

وبينما ما نتحدث، نظرت أختي الى السماء. قالت لي: “نهله ما هذا الشيء الذي يسقط من السماء؟”
نظرتُ الى السماء فرأيتُ الطائرة وقد ألقت ببرميل. فصحت بصوت عالِ: “انها طائرة مروحية، ألقت برميلاً متفجراً”.

نظرتُ الى اطفالي وهم يركضون. أحسست للحظات انه سيسقط فوق رؤوسنا. قلت وانا احتضن طفلي الصغير: اشهد ان لا اله لا الله واشهد ان محمدا رسول الله.

انطفأ ضوء الحياة في عينيّ. أيقنت بالموت. وما هي إلّا ثواني حتى سقط ذاك البرميل مصحوباً بدوي مخيف. سقط على مسافة قريبة منا. هدم حارة كاملة في وسط المدينة، وملأ الدخان والغبار الجو حولنا.لم نعد نرى بعضنا.

صرخت اختي بشكل هستيري: “أطفالي أين هم؟ ماتوا؟”
اجبتها: “لا يا اختي ،الكل حولي، والكل بخير”.
تنفست أختي وكأنها تستعيد حياتها وقالت لي: “لقد خلته سقط بيننا”.

هدم البرميل جزءاً من الحائط عندنا. وكسر زجاج النوافذ. حمدت الله انه لم يصب احداً بمكروه. ركضنا انا اختي والأولاد الى المغارة التي يملكها جارنا أبو أحمد، كي نختبىء.
تذكرت زوجي، خوفي على أولادي أنساني زوجي لبعض الوقت. لقد ذهب ولا أعلم إلى أين. أخاف أن يكون قد أصابه مكروه في طريق عودته.

تخيل لي انه مات بتلك الضربه. وجلست ابكي واطفالي يبكون معي. مرّ بنا رجل قادما من حيث سقط البرميل. أخبرنا ان الضرية مرت بسلام. بمعنى ان لا ضحايا.
ارتحت قليلاً ودخلت مغارة جارنا أبو أحمد. كانت تحت الارض، مظلمة. لم نعتد الجلوس في مكان كهذا. أحسست بالضيق. سألتٌ جارتي: “كيف تستطيعون المكوث داخل هذه المغارة؟” قالت لي ان هناك أناسا اتخذوها منزلا، فهم يأكلون وينامون ويعيشون فيها.

أحسست بضيق كبير، أحسست بالاختناق. لم أعد أحتمل. خرجت من المغارة، وإذ بزوجي في الخارج/ كان يبحث عنّا. سألني: “هل أصابكم مكروه؟” طمأنته عنّا وذهبت معه ومعنا أختي والأولاد.

عادت حماتي إلى المنزل، وكانت قد خرجت بعد الظهر. سألتها عما حلّ بها. قالت أنها سمعت التحذير عبر الجهاز اللاسلكي حيث كانت، من ان طائرة ستستهدف معرّة حرمة، فاختبأت. نحن لم نكن قد سمعنا صوت الطائرة. ولم نكن نملك جهازاً لاسلكياً لمتابعة أخبار الغارات. لذلك لم نعلم ما يحدث.

بقيت ليلتها أنا وزوجي كلما سمعنا صوت طائرة نقوم بالنزول مع أطفالنا إلى لطابق السفلي. كنا نعيش بقلق كبير، نحن لم نعتد على الطيران، بهذا الشكل المخيف. عندما تكون الضربه بعيده لانخاف لهذه الدرجة. ولكن الان قد رأيت البرميل بأم عيني وهو يسقط من تلك الطائرة اللعينة. أصبحت لا أنام الليل.

طلبت من زوجي شراء جهاز لاسلكي أو ما يعرف بالقبضة، حيث يتولى بعض الشبان رصد حركة الطيران وإرسال التحذيرات عبرها، لكي يتخذ المواطنون حذرهم. وفعلا وافق زوجي وأحضر لنا قبضة. أصبحت القبضة رفيقة الليل والنهار.

ولا زلنا وبعد ما يقارب السنة ونصف السنة، نازحين في بلده معرة حرمه. نتعرض للقصف وبكافه انواع الصواريخ والبراميل. النظام السوري جرّب كافة انواع الأسلحه الحربية بالشعب السوري. فسفوري، ارتجاجي، عنقودي، كلور. وحتى غاز السارين المحرّم دولياَ جرّبه بأطفال الغوطه، وأطفال ادلب. حتى الآن ننام على خوف ونستيقظ على خوف .

نهله المصطفى (22 عاماً) متزوجة وأم لثلاثة ابناء. ربة منزل من ريف حماه الغربي نازحة في بلدة معرة حرمه.