القامشلي تبحث عن حلول بيئية
خطر التلوث البيئي يزداد يوماً بعد يوم في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة. وبدأت آثاره تبدو واضحة في الكثير من المرافق العامة في المدينة، لاسيما في بعض مجاري الأنهار كنهر الجغجغ الذي يخترق القامشلي قادماً من مدينة نصيبين التركية التي تفرغ مخلفاتها فيه مثل الصرف الصحي. وما أن يصل النهر إلى القامشلي حتى يصب فيه مياه الصرف الصحي لهذه المدينة أيضاً.
رئيس مجموعة مهندسي البيئة في القامشلي المهندس عثمان نواف يقول إن الجسور الستة المقامة على نهر الجغجغ والتي تربط مختلف أطراف المدينة وأحيائها بعضها ببعض أصبحت مكاناً سهلاً للتخلص من النفايات. فيعمد الباعة المتواجدون إلى رمي بضائعهم التالفة، حسب وصف نواف. يضاف إلى ذلك أنقاض البناء وبقايا الأتربة: “تقوم الشاحنات والمقطورات برميها للتخلص منها دون أن يخضع أحد للمخالفة أو التنبيه”. المهندسة عبير حنا من لجنة البيئة في مجلس المدينة تضيف قائلة إن مخلفات مطحنة الجزيرة والمنطقة الصناعية والمسلخ البلدي تصب أيضاً في النهر. أحمد السليمان يسكن بالقرب من المسلخ البلدي في القامشلي ويقول بأن سكان الحي يشكون من روائح كريهة تتصاعد من مجرور الصرف الصحي للمسلخ: “تلقى بقايا الذبائح في النهر عن طريق ساقية مكشوفة متجهة نحو النهر مباشرة، وبدون أية معالجة”.
مشكلة أخرى يعاني منها نهر الجغجغ هي تربية الجواميس في حارة طي. وهذه الحارة عبارة عن تجمع لتربية حوالي 1200 رأس جاموس، وتقطنها حوالي مئة عائلة. ولوحظ وجود الجواميس ضمن مجرى النهر الملوث بمياه الصرف الصحي إضافة لتجميع روث الحيوانات على ضفاف النهر. كما أن الشارع الرئيسي المار بالمنطقة ونتيجة لإهمال الأهالي مليء أيضاً بروث الحيوانات، إضافة إلى الروائح الكريهة والشديدة المنبعثة في المنطقة نتيجة رمي الأوساخ وبقايا الطعام في مصب النهر ما أدى إلى تحوله إلى مكب للنفايات الصلبة. عبيد الصالح أحد سكان حارة طي يقول: “نسبة التلوث على الضفة الغربية من النهر عالية جداً، هناك تقع حظائر تربية الجواميس والأبقار والمواشي، وهذه الحظائر تنتج كميات كبيرة من الروث الحيواني، والتي تلقى في النهر من قبل الأهالي عبر فتحات في جدران تلك الحظائر”.
نجد أيضاً وجود ظاهرة إنتشار المكبات العشوائية للنفايات في المدينة التي تتزامن مع البناء العشوائي لأطرافها، في ظل تزايد العدد السكاني الذي قدر تعداده أكثر من 350,000 نسمة حسب إحصائيات رسمية من الحكومة السورية.
أما بالنسبة إلى التلوث الذي يصيب الهواء فيشير خبير البيئة عثمان نواف إلى معضلة المنشآت الصناعية الباقية في وسط أحياء المدينة ومنها مطحنة “مانوك” التي تنثر الغبار أثناء طحن القمح وبكميات كبيرة. هناك أيضاً غرابيل مستودع “أمية” الواقعة ضمن المخطط التنظيمي للمدينة. هي أيضاً تنثر مخلفات غربلة الحبوب في الهواء: “هاتان المنشأتان تفتقران إلى أبسط شروط الحفاظ على البيئة ولا تستخدم فلاتر لتنقية الهواء قبل أن يرتفع الغبار في سماء القامشلي”.
الحل الوحيد للتخلص من غبار المطاحن حسب قول المهندس نواف يكون بنقلها إلى خارج المخطط التنظيمي للمدينة أو صيانة آلاتها بشكل دوري للتخفيف من ضجيجها بالنسبة للجوار وضرورة استخدام الواقيات والكمامات للعاملين فيها.
وأعد مكتب مديرية البيئة في القامشلي في نهاية عام 2010 تقريراً عن التلوثات الحاصلة في المدينة ومحيطها، وتوصل إلى أن مكب القمامة في قرية نافكر القريبة من القامشلي والمجاورة للحدود التركية يحتل المرتبة الأولى في قائمة الأخطار البيئية المستقبلية. فالمكب المذكور يقع على أرض منخفضة تتجمع فيها أمطار المياه الموسمية بالقرب من مجموعة من المقالع وبجواره حفر أكثر من أربعين بئراً من مجمل الآبار التي تمد المدينة بالماء وهي عرضة لرشاحة المكب المذكور المؤدية إلى رفع نسبة المواد السامة، وتم إغلاق عدة آبار تلوثت من المكب. ويحدد التقرير أيضاً السبل الكفيلة لمعالجة وضع آبار مياه الشرب في نافكر والتي تتضمن الإسراع في انتقال مكب نفاياتها إلى موقع جديد بعد تهيئته بالشكل المطلوب ليكون مطمراً صحياً ونظامياً والإسراع في معالجة وضع المياه قبل أن تنتقل الرشاحة إلى الحوض المائي والمراقبة المستمرة لمواصفات مياه الآبار.
أما المرتبة الثانية في قائمة الأخطار البيئية فاحتلها نهر الجغجغ. والحلول التي من الضروري تطبيقها لمعالجة تلوث النهر الذي يشق مدينة القامشلي معروفة ولكن ينقصها التطبيق. يطرح عثمان نواف خطة إنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحي في القامشلي لتمر بها المياه الملوثة قبل أن تصل إلى النهر أو يتم تغيير مجراها إلى خارج المدينة. يضاف إلى ذلك التنسيق مع الجانب التركي للإلتزام بالمعايير الدولية التي تخص الأنهار العابرة للحدود. أما المهندسة عبير حنا فقد أعدت دراسة لمعالجة تلوث نهر الجغجغ تتضمن تنظيف وتهذيب مجرى النهر عن طريق إزالة نقاط الركود التي تكون فيها سرعة المياه منخفضة وإقامة شلالات ضمن مجرى النهر لزيادة كمية الأوكسجين المنحل وتحسين نوعية مياه النهر. وتركز حنا أيضاً على عملية المراقبة وحماية النهر من التعديات وإجراء قياسات بشكل دوري لفحص تلوث الماء.
ما يثير فينا كل مفردات الدهشة والإستغراب أن مشكلاتنا البيئية عناوينها ثابتة لا تتغير إلا في حالة واحدة أنها تزداد حدة، ومعها يزداد التلوث والأكثر من ذلك أن المعالجات تبقى غائبة وتكون حبراً على ورق، والإهمال هو السائد.