الطلاب السوريون يحلمون بالجامعات التركية

أحمد العكلة

رغبة الطلاب بالذهاب خارج سوريا من أجل البحث عن فرصة دراسية، تمثل تحديا جديا وقد تنتج خللاً وفراغاً ثقافياً واجتماعياً

(حاس- سوريا) لم يعد يجرؤ علي العيدو (20 عاماً) على الذهاب إلى جامعته في حلب لمتابعة تخصصه في الطب، كونه من قرية حاس التي تقع في ريف إدلب الجنوبي تحت سيطرة الجيش الحر، الأمر الذي يجعل من شبابها عرضة للاعتقال أو إساءة المعاملة من قبل جنود نظام الرئيس بشار الأسد. وبعد أن سلّم العيدو لأكثر من سنة بضياع مستقبله وجد مؤخراً فرصة في الجامعات التركية. العيدو الذي

الاستاذ الجامعي قتيبة الفرحات بعد حصوله على فرصة التدريس في  إحدى الجامعات التركية- خاص دماسكوس بيورو
الاستاذ الجامعي قتيبة الفرحات بعد حصوله على فرصة التدريس في إحدى الجامعات التركية- خاص دماسكوس بيورو

أبدى سعادته بقبوله في الجامعات التركية يقول: “مستقبلي لم يعد هباء.. مستقبلي في الدراسة في تركيا”.

في 27 حزيران/ يونيو 2014 ذكرت الحكومة السورية المؤقتة على موقعها الرسمي أن وزير التعليم الوطني التركي، البروفيسور نابي أفجي، وقّع أخيراً على قرار يقضي بالاعتراف بالشهادة الثانوية، التي تصدرها وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، ويتضمن الاعتراف بالشهادات الصادرة العام الماضي. ويفتح قرار الاعتراف التركي هذا المجال واسعاً أمام الطلاب السوريين للتسجيل في الجامعات التركية، بعد استيفاء الشروط التي تضعها كل جامعة. وتقدم تركيا تسهيلات للطلاب السوريين كمنحهم راتباً شهرياً وبطاقات مجانية للمواصلات وسكن جامعي، بالإضافة الى وجبات غذائية.

علي العيدو واحد من نحو 200 طالب جامعي من قرية حاس البالغ تعداد سكانها نحو 20 ألفاً، تركوا دراستهم في الجامعات السورية إما لأنهم ينتمون للثورة، أو فقط لمجرد خوفهم من قوات النظام في دمشق. تقدّم 50 طالباً للدراسة في الجامعات التركية، اثنان فقط تم قبول طلبهما. ولا يزال  نحو 200 طالب من هذه القرية يواصلون دراستهم في الجامعات السورية بالرغم من الخوف.

ويقول العيدو: “اخترت الدارسة في تركيا لأنها تقريباً الخيار الوحيد المتاح أمامي، ولأن الجامعات التركية ضمن أفضل الجامعات في العالم. وأستطيع اكمال دراستي بعد ان ادرس سنة لغة تركية”.

ويبدي أهالي الطلاب استياءهم من ارتفاع تكلفة دراسة أبنائهم في تركيا، إذ تعادل أقساط الجامعات واجور السكن والمعيشة ،واجور النقل ما يقارب اربعة اضعاف مصروف الطلاب في الجامعات السورية.،لكن هناك من يرى ان بإمكان الطلاب تنظيم اوقاتهم والبحث عن فرص عمل، لا تتعارض مع اوقات دراستهم ، بحيث يمكنهم الاعتماد على انفسهم وتجنيب أهلهم أعبائهم .

أحمد الضعيف (39عاماً) والد احد الطلاب يقول: “مصروف الدراسة كبير مقارنة بالجامعات السورية، حيث لا استطيع دفع التكلفة لولدي كي يكمل دراسته بتركيا فمصروف المعيشة لا يكفي لعائلتنا “.

يخالفه الرأي المهندس فيصل عكلة (52عاماً(فيرى انه بإمكان أي طالب الاعتماد على نفسه من خلال البحث عن عمل. يقول عكلة: “يجب على الطلاب الدراسة في أي جامعة او معهد ما عدا جامعات النظام (في إشارة إلى السلطة في دمشق) لأنه سيعرضهم للاعتقال والقتل، أما بالنسبة للجامعات التركية فيمكن للطالب أن يؤمن عملا ويصرف على نفسه بحيث لا يحتاج احد. تركيا سوق عمل كبير يمكن لكافة الطلاب العمل فيه، ويمكنه البحث عن عمل لا يتعارض مع أوقات الدراسة”.

ويوضح أستاذ اللغة العربية في جامعة أنقرة قتيبة الفرحات (29عاماً) أنه حث طلاب البلدة على الدراسة في تركيا، عبر المنح المجانية التي قدمتها الحكومة التركية وتم قبول عدد من الطلاب السوريين من خلالها. أما بالنسبة للجامعات الغير المجانية فلا ينصح الفرحات الطلاب بها نظرا لارتفاع أقساطها. يقول الفرحات: “التكلفة في هذه الجامعات تزيد عن 1500 ليرة تركية سنويا، بالإضافة الى الأسعار النارية وكلفة المعيشة الباهظة والمواصلات وقلة العمل، وأحيانا ندرته، لان هناك عدد كبير من السوريين يعمل في تركيا”. ويعتقد الفرحات أن الطالب لا يستطيع ان يعمل ويدرس في تركيا بسبب ساعات العمل طويلة، وعدم توفر أي دعم من المعارضة والمسؤولين عن الشأن التعليمي.

طالب كلية الطب البيطري عقبة الشحود (21عاماً) يشعر بالغضب بسبب عدم  نجاحه في الحصول على مقعد في الجامعات التركية، بعد تقدمه لأكثر من مسابقتين على المنح. ويرد السبب إلى كثرة الطلاب السوريين المتبارين. يقول الشحود: “منذ سنتين ونصف لم أذهب الى جامعتي في مدينة حماة، بسبب سيطرة قوات النظام عليها وانتشار الحواجز الامنية، وخشية اعتقالي بسبب مشاركتي في المظاهرات السلمية بداية الثورة”.

رغبة الطلاب بالذهاب خارج سوريا من أجل البحث عن فرصة دراسية، تمثل تحديا جديا وقد تنتج خللاً وفراغاً ثقافياً واجتماعياً في المناطق التي يعيشون فيها، حيث تفرغ المدن والبلدات من الكوادر الجامعية، كما يوضح الأستاذ في علم الاجتماع عبد الله الزيدان (30عاماً): “إن اغلب الشباب يعيشون في حالة من الضبابية، من حيث عدم قدرتهم في التأثير بمجريات الامور في الاحداث الراهنة. شعور الطالب بأنه عالة أدى الى اتجاه للاغتراب عن هذا المجتمع. الطلاب يسعون وراء تحقيق ذاتهم في مجتمع يلبي طموحاتهم وأهدافهم، وكون الانسان بطبيعته ميال من الناحية النفسية لتحقيق ذاته”. وعن حالة المجتمع بعد ضياع مستقبل الطلاب أو رحيلهم حذر الزيدان قائلاً: “إن بقيت حالة الطلاب على هذه الوتيرة سنجد أنفسنا بعد سنوات أمام مجتمع جاهل”.

ونبه نائب رئيس المجلس المحلي في بلدة حاس صبحي العمر (38عاماً) إلى خطورة هجرة العقول التي ستنتهي بكوارث إجتماعية إذا استمر تفريغ هذه الفئة الشابة، وحث الائتلاف على ايجاد حل لهذا الموضوع. ويقول العمر: “بالنسبة لرغبة الطلاب في الدراسة في الجامعات التركية هو شيء خطير على المجتمع، ولكنه الحل لأن ذهابهم الى جامعات النظام سيؤدي الى تعريض حياتهم للخطر. ونحن نحث مؤسسات الثورة كالائتلاف إلى وضعهم في جامعات تابعة له على اقل تقدير كي يبقوا ضمن الجامعات السورية”.

طلاب قرية حاس الذين يتابعون الدراسة في الجامعات السورية، يخافون من حواجز النظام، ولكنهم يخشون أيضا ضياع مستقبلهم. تقول فاطمة الطالبة في جامعة حلب: “رغم المخاطر التي نعانيها كقطع الطرق اثناء الاشتباكات، مما يضطر الطلاب للبقاء فترة ضمن المدن المغلقة أو التفتيش من قبل الحواجز أو عمليات القنص، والمرور على المعابر الخطرة كمعبر بستان القصر الذي يسمى بمعبر الموت، إلا ان الذي يدفعنا للذهاب هو سعينا من أجل الحصول على وثيقة التخرج التي تساعدنا في الحصول على فرصة عمل، وكذلك خوفنا من الفصل من قبل إدارة الجامعة”.