الشمع ليس رومانسية في معرة النعمان

هزاع العدنان

(معرة النعمان، سوريا) – يعيش ناجح الرحمون (51 عاماً) مع زوجته التي عرفت عن نفسها باسم أم كريم (40 عاماً) وأولاده الثلاثة في بيت يتكون من ثلاث غرف. في هذا البيت لا يُسمع صوت تلفاز ولا يستخدم الأبناء الكمبيوتر الذي وضع في إحدى زوايا غرفة الجلوس. الجو خانق وماء الشرب فاتر، فالبراد تحول إلى مجرد خزانة في المطبخ. الذباب مزعج في النهار كما البعوض في الليل. وفي معظم الحالات تغسل أم كريم الثياب بيديها ولا تستطيع أن تكويها بعدما تجف. وبعد غروب الشمس تستعمل العائلة شمعتين أو ثلاث لتأمين الحد الأدنى من الضوء وليس للأجواء الرومانسية.

يقول الرحمون إنه بات عاطلاً عن العمل منذ سنة تقريباً. فمعمل البلاط الذي كان يعمل فيه هو وستة من زملائه أغلق أبوابه، لأن صاحب المعمل لم يستطع أن يغطي تكاليف مولد الكهرباء الذي يعمل على المازوت لأكثر من عشرة أيام.

الصورة – محطة التحويل الرئيسية في معرة النعمان بعد تعرضها للقصف في آذار/ مارس - يوتيوب
الصورة – محطة التحويل الرئيسية في معرة النعمان بعد تعرضها للقصف في آذار/ مارس – يوتيوب

الجزء الأكبر من معرة النعمان حيث يقيم الرحمون غارق في الظلام منذ حوالي سنة تقريباً، بعد أن تعطلت محطتا “المعرة” و”بسيدا”، اللتان توزعان التيار الكهربائي المولد في محطة زيزون الحرارية التي تبعد حوالي 100 كيلومتر عن المعرة، وتقع بالقرب من مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب. ولم يتم الشروع في إصلاح هاتين المحطتين حتى الآن. يضاف إلى ذلك تضرر الأسلاك والأبراج الكهربائية في مختلف أنحاء المدينة بسبب الاشتباكات بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة.

تقع مدينة معرة النعمان شمال سورية في محافظة إدلب، يبلغ عدد سكانها حوالي 100 ألف نسمة، وتخضع معظمها لسيطرة “لواء صقور المعرة” و”لواء شهداء المعرة” المنتميين إلى المعارضة المسلحة. ويسجل وجود بعض النقاط التابعة للقوات الحكومية، كمعسكر وادي الضيف الذي يقع شرق المدينة ومعسكر الحامدية الذي يقع جنوبها.

أحد عمال الصيانة في محطتي معرة النعمان و”بسيدا”، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال إن “جيش النظام” قصف محطة المعرة بالدبابات من معسكر وادي الضيف كما استهدف محطة بسيدا بغارة جوية، وذلك بعد أن تحصن الثوار فيهما خلال الأيام الأولى من معركة تحرير المعرة التي بدأت في آب/ أغسطس من السنة الماضية والمستمرة حتى الآن. ثم تعرضت المحطتان للسرقة والنهب، بعد الضرر الكبير الذي لحق بهما جراء القصف، حسب قول العامل.

وأكد القائد الميداني في “لواء فرسان الحق” التابع للـ”جيش الحر” محمود الغزول (42 عاماً) تعرض المحطتين للسرقة والنهب بعد قصفهما. ولكن الغزول ينفي أن يكون الثوار قد تحصنوا في أي من المحطتين قبل قصفهما. وأضاف الغزول قائلاً: “النظام قصف المحطتين لأنه يقصف كل شيء. النظام يعاقب سكان المناطق المحررة لأنهم يمثلون الحاضنة الشعبية للثوار”.

أمّا مسؤولية التعتيم وعدم توفير الكهرباء فيحمّل أحد الأعضاء في مجلس محافظة إدلب، رفض الكشف عن اسمه، النظام جزءاً كبيراً من المسؤولية،  قائلاً إن النظام لو كان جاداً لغذى منطقة المعرة عن طريق محطة البارة القريبة التي تقع على بعد 10 كيلومترات غرب المعرة، وذلك بزيادة كمية الكهرباء المخصصة لها من محطة زيزون الحرارية التي تعمل بكامل طاقتها. وأضاف: “النظام يتجاهل أن شعب المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة هو جزء من الشعب السوري”.

منطق العقاب والتجاهل يتوقف عنده الحداد زكريا القاق (47 عاماً) قائلاً: “لا تنقطع الكهرباء عن مدينة إدلب القريبة (60 كيلومتر) لأنها خاضعة لسيطرة النظام، بعكس المعرة”.

ويعترف موظف حكومي في محطة كهرباء معرة النعمان، فضل عدم الكشف عن اسمه، بعدم جدية الحكومة في تزويد معرة النعمان بالطاقة، ولكنه يحّمل المعارضة المسلحة الجزء الأكبر من المسؤولية، لأنها سمحت للصوص بسرقة أسلاك الكهرباء والمعدات والمولدات التابعة للدولة، على حد تعبيره. ويقول موظف الكهرباء إنه رغم كل الصعاب، عمال شركة الكهرباء، الذين يقتطعون أجورهم مما يحصلونه من فواتير، استطاعوا بمبادرة شخصية تزويد الحارات الشمالية والغربية من المدينة بثلاث أو أربع ساعات كهرباء في اليوم، وذلك بمد بعض الخطوط من بلدتي حاس وكفرنبل المجاورتين. ويوضح الموظف أن هاتين البلدتين تعانيان بدورهما من نقص شديد في التيار الكهربائي، الذي لا يصلهما لأكثر من ست ساعات في اليوم. وفي هذا الإطار يقول فني الأشعة في مشفى أورينت في كفرنبل رامي الفارس (36 عاماً): “لا ترى مدينة كفرنبل الكهرباء لأكثر من ست ساعات في أحسن الأحوال، بل قد لا تراها لأيام أو أسابيع”. وهو ما يؤكده الشيخ أحمد زيدان المقيم في قرية حاس أيضاً.

ولمواجهة الشح في الطاقة الكهربائية، يعتمد بعض سكان المدينة الميسورين على المولدات الصغيرة التي تعمل على المازوت أو البنزين. وقلة من سكان المعرة فقط يستطيعون شراء مولد ثم شراء المازوت الذي ارتفع سعره من 20 ليرة سورية ما قبل الثورة إلى حوالي 150 ليرة سورية للتر الواحد بعد سنتين من بدئها، والبنزين من 40 ليرة سورية إلى حوالي 275 ليرة سورية. ويعتمد المستشفيان المتبقيان في المدينة، مشفى “أورينت” ومشفى ميداني، على المولدات للاستمرار في أعمالهما.

ويساهم انقطاع الطاقة الكهربائية، إضافة إلى انخفاض سعر الليرة وغلاء المواد الأولية، في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، كالخبز والألبان، إضافة إلى الشمع وقناديل الغاز والكاز. ويقول صاحب دكان في المعرة ويدعى حيدر الشلح (40عاماً) إن أسعار بضائعه ارتفعت بنحو 50 بالمئة خلال الأشهر الماضية. وقد تضاعف سعر الماء بحسب صاحب صهريج ويدعى فؤاد العمشا (19عاماً)، بسبب التكاليف الإضافية لاستخراج الماء من الآبار بواسطة مولدات المازوت.

ورغم أن أم كريم لا تتوقع أن يتم حل مشكلة الكهرباء في المعرة قريباً، فهي تقول إنها تحلم بيوم يقول فيه مسؤول في وزارة الكهرباء: “انطلقت جميع ورشنا، على كل تراب الوطن، لإصلاح ما أفسدته الحرب”.