الزواج من مقاتلين أجانب هجران وأطفال دون قيود أو نسب

ملصقات حملة مين زوجك على أعمدة الإنارة وجدران الأبينة، تصوير هنادي درويش

فضلت مريم السويد (30 عاماً) على البقاء عانس كما يصفونها، الزواج بأحد مقاتلي هيئة تحرير الشام. يومها كانت في الـ 27 من العمر، غير أنها لم تلبث أن عادت إلى أهلها بعد وفاة زوجها مصطحبة طفلين يتيمين.

تقول مريم مبررة زواجها الذي لم تلبث أن ندمت عليه: “كنت أرغب بحياة أسرية كبقية النساء، أردت أن أبني عائلة وأن أعيش بسلام. غير أن ذلك لم يحدث بل ضاعف من معاناتي ومأساتي”. فقر حال أهلها وتقدمها في السن إضافة لإغراء العريس لها ولأهلها بالمال، كل ذلك دفعها للزواج.

وتضيف مريم: “كان علي التفكير بأنه من الممكن أن يقتل في إحدى المعارك لأعود لوحدتي ثانية، ولكن هذه المرة مع طفلين يتيمين يحتاجان الكثير من الرعاية مع أم لا حول لها ولا قوة”.

لم تكن وفاة الزوج المجهول الهوية هي فقط المعضلة، وإنما أيضاً تركه لزوجته في أي لحظة والعودة إلى بلده الأم أو الانتقال مع تنظيمه إلى مناطق أخرى. هلا الجمعة (26 عاماً) تزوجت بمقاتل ما لبث ان هجرها وطفلتها دون سابق إنذار.

تقول هلا: “تباً لهم من أزواج، كيف لهم ألّا يفكروا إلّا بأنفسهم ، فهم يعتبرون المرأة مجرد سلعة فقط، كيف لهم أن يتخلّوا عن أطفالهم بهذه البساطة. إنهم غير مسؤولين، وزواجي بأحدهم كان خطأ عمري الذي سأظل أتحمل نتائجه طوال حياتي”.

هلا التي بقيت تصارع الحياة مع ابنتها دون معيل،  يشبه حالها معظم النساء اللاتي تزوجن بمقاتلين غرباء، واللواتي وصل عددهن إلى ما يقارب 1750 حالة زواج. انتشرت ظاهرة زواج الفتيات الإدلبيات بمقاتلين غرباء منذ أكثر من 4 سنوات. وتحديداً في بداية عام 2014 عندما بدأ مصطلح المهاجرون أكثر وضوحاً في سوريا ، وهم المقاتلون الأجانب المنخرطين في صفوف التنظيمات الإسلامية المسلحة.

ولأن هذه الزيجات فشلت بمعظمها لسبب أو لآخر، فقد أطلق ناشطون سوريون حملة توعوية أطلقوا عليها اسم “مين زوجك؟” لحث الفتيات والأرامل على رفض هذا النوع من الزواج كونه يتسبب بمشاكل متعددة للنساء ولأطفالهن.

عن حملة “مين زوجك”وأهدافها وفعالياتها يتحدث الناشط السوري ومنسق الحملة عاصم زيدان (28 عاماً) قائلاً “قررنا إطلاق هذه الحملة نظراً لارتفاع نسبة زواج السوريات من المقاتلين الأجانب، والآثار السلبية المصاحبة لتلك الزيجات”. وأشار إلى أن الحملة تستهدف المجتمعات التي انتشرت فيها الظاهرة لا سيما مناطق الشمال السوري حيث تنتشر قوى هيئة تحرير الشام.

وجهت الحملة أنشطتها للنساء ولأولياء الأمور ولأصحاب القرار المحليين ومنهم رجال الدين كونهم المسؤولين عن تنظيم مثل هذا النوع من الزواج.

عواقب وصفها زيدان بـ “الخطيرة” ممكن أن تترتب على هذا النوع من الزواج، أهمها يكمن في مستقبل وهوية الأطفال المولودين من هذا الزواج، والعقبات التي سوف تواجههم. حيث لا توجد إحصائية دقيقة للأطفال مجهولي النسب في سوريا. ومن الصعب وضع إحصائية دقيقة في ظل الظروف الراهنة.  فهم سيكونون مجردين من حقوقهم المدنية، بما في ذلك حق التعليم، إذ أنهم لا يملكون أي وثائق رسمية تعرف بهم.

 المحامي نزير شواف (40 عاماً) وعضو المجلس المحلي في إدلب يقول: “الأطفال المولودين من هذا الزواج يعتبرون عديمي النسب، وذلك أن الأصل في تسجيل الزواج قانونياً هو أن يكون الوالدين معروفين، ويتم تسجيل الزواج في الدوائر الرسمية”.

ويلفت شواف إلى أن أولئك الأطفال يصنّفهم قانون الأحوال الشخصية السوري على أنهم  “مكتومي القيد مجهولي النسب، ولا يتمتعون بأي حقوق مدنية”. ويقترح شواف وكحل لهؤلاء “إقرار قانون يسمح للأم السورية بمنح جنسيتها لطفلها، وهو ما لا يحصل حتى اللحظة”.

الشيخ عبد الكريم المحمد (52 عاماً) يوافق من الناحية الشرعية على ما قاله المحامي وهو أن الدين الاسلامي يفرض اشهار اسم الزوج واسم الزوجة في عقد الزواج علناً، وهو أمر غير متوفر في حالات زواج المقاتلين الأجانب الذين “لا يكشفون عن اسمائهم الحقيقية لأسباب أمنية وبالتالي فإن هذا الزواج يكون باطلاً شرعاً” وفق تعبيره.

تضمنت حملة ” مين زوجك” جلسات حوارية مع النساء لتوعيتهن بمشاكل هذا الزواج، إضافة إلى وضع ملصقات وتوزيع بروشورات وكتيبات في مختلف مناطق إدلب وريفها ، وتم اطلاق الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتصل لأكبر عدد من الأهالي.

ثمة أسباب عديدة تدفع الأهالي لتزويج بناتهم من مقاتلين أجانب، هذه الدوافع تتحدث عنها المرشدة الاجتماعية سارة الحسين (35عاماً) فتقول: “لاحظت عدم وجود زواج قسري بالمعنى العام، غير أن الذي يحصل هو أن المهاجر يقوم باستغلال أوضاع وظروف الفتاة، فإن كانت فقيرة قام برفع مهرها، وإن كانت الأنثى أرملة أو مطلقة فهي غالباً ما تشكل عبئاً مادياً واجتماعياً على عائلتها وخاصة في أوضاع الحرب هذه فيتم تزويجها”.

وتنبّه الحسين لضرورة الحد من هذه الظاهرة لما لها من آثار اجتماعية ونفسية سلبية على الزوجات وأطفالهن. وتدعو لاستمرار مثل هذه الحملات وتوسيعها بغية توعية الأهالي “لإنقاذ بناتهم من مستقبل لا شك بأنه محفوف بالمتاعب”.