الدفاع المدني دور كبير ونقص في المعدات

“هناك طفل على قيد الحياة”، كانت هذه الصرخة من أحد عناصر الدفاع المدني كفيلة بأن تطمئن مصطفى البرو، أستاذ المدرسة من بلدة كفرعويد بريف إدلب، على ولده الذي أمضى أربع ساعات مع أخته تحت الركام نتيجة قصف الطيران لمنزله.

مصطفى البرو (45 عاماً) كان خارج البلدة أثناء القصف الذي طالها، ولكن “القبضة اللاسلكية” ، في إشارة إلى المراصد التي تستخدم أجهزة اللاسلكي اليدوية، التي باتت تستخدم لتحذير المدنيين من الطيران الحربي التابع للحكومة، وجهت نداءً للدفاع المدني بالتوجه للحي الشمالي من بلدة كفرعويد، والذي يقطنه البرو، فعاد مسرعاً للاطمئنان على عائلته، وبعد أربع ساعات، تمكن الدفاع المدني من انتشال ولديه الإثنين على قيد الحياة.

مع بداية الاحتجاجات السلمية ضد حكومة دمشق، وتحولها في ما بعد إلى صراعٍ مسلح كانت عملية انتشال الجرحى من تحت الأنقاض تتم من قبل الأهالي وما تيسر بين أيديهم. وفي العام الثالث من الصراع برزت فرق الدفاع المدني، التي أصبحت تتولى مسؤولية عمليات الإنقاذ، وماتزال هذه الفرق تعاني من نقص واضح في المعدات اللازمة في الإنقاذ، إضافة إلى أن عناصرها من المتطوعين لا يمتلكون الخبرة.

عمليات الإنقاذ من تحت الركام صورة من صفحة مركز الدفاع المدني في إدلب على موقع فايسبوك

يقول رائد الصالح مدير الدفاع المدني في سوريا لـ”دماسكوس بيورو”، أن هيئة الدفاع المدني لها فروع في ثمانية محافظات، هي دمشق وريف دمشق ودرعا وحمص وحماة واللاذقية وإدلب وحلب، ونحو 106 مركز تابعٍ للدفاع المدني في هذه المحافظات، تضم 2258 متطوعاً.

وعن التحديات التي تواجه هذه الفرق يقول الصالح: ” أكبر التحديات التي تواجهنا  هي عدم توفر المعدات اللازمة في عمليات الإنقاذ، فنحن لا نملك سوى معدات البحث والمعدات الخفيفة والمتوسطة مثل “الكمبريسات” الصغيرة والمتوسطة التي تستعمل في عملية استخراج الجرحى من تحت الأنقاض، ومقصات البيتون والحديد، ومعدات الإسعافات الأولية الطبية”.

تفتقر مراكز الدفاع المدني لمعدات البحث المتطورة “كالكاميرات الحرارية” التي يمكن أن تكشف وجود جرحى أو جثث تحت الأنقاض، وأجهزة البحث الصوتي والتي يمكنها التقاط أصوات الجرحى تحت الركام، بحيث يمكن تحديد مصدر الصوت بدقة، الأمر الذي يوفر الوقت اللازم لعملية البحث.

وبالنسبة للآليات الثقيلة، يقول الصالح: “سبق أن استلمنا 53 آلية تم توزيعها على مراكز الدفاع المدني في أربع محافظات هي حماة واللاذقية وإدلب وحلب، وهي عبارة عن “تركسات باكهو لودر” متعدد الاستعمالات وشاحنات “باكج كرين” ورافعات “بوبتان” وسيارات إسعاف وسيارات إطفاء، وننتظردفعات جديدة من سيارات الإسعاف والإطفاء والتركسات والرافعات”.

ويضيف الصالح: “إمكانات فرق الدفاع المدني تختلف من محافظة إلى أخرى، بالنسبة لمراكز الدفاع المدني بدرعا فهي لا تملك تجهيزات وأدوات فنية. وهناك تواصل مع الحكومة الأردنية، بهدف الحصول على موافقتها في تسهيل عبور المعدات، هناك مساعٍ في محافظتي دمشق وريف دمشق وحمص للحصول على تمويل لشراء المعدات اللازمة لعمل مراكز الدفاع المدني من الداخل”.

تعتبر مراكز الدفاع المدني في حلب وإدلب الأقدم “وحصل عناصرها على عدة دورات تدريبية في تركيا وفي مراكز التدريب في حلب وإدلب”.

وبعد سيطرة فصائل جيش الفتح التابعة للمعارضة المسلحة على مدينة إدلب، مركز المحافظة وكافة المعسكرات التابعة للحكومة في محافظة إدلب، كثفت القوات الحكومية قصفها الجوي على بلدات وقرى ريف إدلب الجنوبي، وأول المتواجدين بعد كل موجة قصف هم أصحاب “القبعات البيض” أو الدفاع المدني.

يقول علاء الدندوش (30 عاماً) أحد عناصر الدفاع المدني في منطقة غربي معرة النعمان بريف إدلب: “من أكثر الصعوبات التي تواجه فريقنا هي كثرة القصف الجوي مع عدم امتلاكنا لوسائل النقل اللازمة لإيصالنا إلى مكان القصف في الوقت المحدد”، ويستشهد الدندوش بالقصف الذي طال بلدة كفرعويد بريف إدلب والذي راح ضحيته 30 شخصا حيث يقول: “لم نستطع الوصول في الوقت المحدد فبعض العناصر اضطرت لركوب الدراجات النارية للوصول إلى البلدة”.

تلاقي فرق الدفاع المدني ترحيباً كبيراً من قبل المدنيين في ريف إدلب الجنوبي، محمود السويد (41 عاماً) وهو يعمل في التمديدات الصحية يقول: “في كل قصف نرى أن عناصر الدفاع المدني هم أول الواصلين إلى المكان. ساهموا في إنقاذ الكثير من الأرواح، على عكس الفترة الأولى من الثورة، حيث كنا نقوم نحن بانتشال الجرحى من تحت الأنقاض”.

وتقوم الفصائل العسكرية الموجودة بريف إدلب، بتقديم المساعدة لعناصر الدفاع المدني من خلال سيارات الإسعاف والإطفاء، والمساعدة في انتشال الجرحى من تحت الأنقاض.

وتتلقى فرق الدفاع المدني الدعم من العديد من الجهات والمنظمات، وبحسب مدير الدفاع المدني رائد الصالح فإن الدفاع المدني “تلقى الدعم من وحدة تنسيق الدعم التابعة للائتلاف، منظمة ark ،  ومنظمة ميدي ريسكيو المهتمة بتدريب فرق الإنقاذ ومن البرنامج الإقليمي السوري.

وقد توفّر لعناصر الدفاع المدني “تعويضاً شهرياً على شكل مكافآت من قبل الحكومة السورية المؤقتة، ولكنه لم يستمر”.

عناصر الدفاع المدني بأغلبهم من المتطوعين، ولا يملكون الخبرة اللازمة في عمليات الإنقاذ، علاء الدندوش يقول: “أنا لا أملك الخبرة في عمليات الإنقاذ فأنا أساساً معلم مدرسة، لكنني خضعت لبعض دورات الإنقاذ. انشققت عن مديرية التربية التابعة للحكومة في دمشق وانضممت إلى الدفاع المدني للمساعدة في إنقاذ الناس”.

تلقى عناصر الدفاع المدني العاملون في مجال الإسعاف، تدريبات من قبل “اتحاد المنظمات الإغاثية الطبية السورية” في مركز التدريب التابع لهم في باب الهوى و”منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية” في المشفى الخاص بها في منطقة أطمة على الحدود السورية التركية بريف إدلب.

وبحسب الصالح لم يحصل عناصر الدفاع المدني حتى الآن على تدريبات على استعمال الآليات الثقيلة أو أجهزة البحث المتطورة، حيث اقتصرت التدريبات التي حصلوا عليها على عمليات البحث والإنقاذ بالأدوات الخفيفة والمتوسطة وعمليات الإسعاف الأولي.

لا يقتصر عمل الدفاع المدني على عمليات البحث والإنقاذ فبعد انتهاء هذه العمليات ترفع الأنقاض وتفتح الطرقات، وقد استخدم عناصر الفاع المدني الآليات الثقيلة في عملية فتح الطرقات خلال العاصفة الثلجية الأخيرة التي ضربت سوريا.

يقول مصطفى البرو والد الطفلين يوسف وآمنة اللذين تم انتشالهما بعد أربع ساعات من تحت الأنقاض: “كان لدي اعتقاد بأن طفليّ لن ينجوا، ولكن عندما صرخ أحد عناصر الدفاع بأن هناك طفل على قيد الحياة، وأخرجوه هو وابنتي الأخرى، لم أتمالك نفسي ورحت أقبل عناصر الدفاع المدني الواحد تلوا الآخر. فقد كان لهم الفضل بعد الله في إنقاذ أطفالي”.