“الحيار” قضية راهنة للنقاش العام
من العادات والتقاليد المتعارف عليها في الجزيرة السورية والمنتشرة في ريفها بشكل خاص هو الحيار، أي إجبار الفتاة على الزواج من إبن عمها أو قريبها. هذا النوع من الزواج عرفٌ من الأعراف الإجتماعية التي تطبق للمحافظة على الروابط الإجتماعية العائلية. وكثيراً ما يحجر على الفتاة منذ أن تكون طفلة صغيرة وفي سنواتها الأولى إلى إبن عمها أو يعقد قرانها عليه وهي لا تعي من أمر الزواج شيئاً حتى إذا كبرت تزوجته رغماً عنها. فالبنت لإبن عمها شاءت أم أبت وويل لها إذا تجرأت ورفضته. سترغم في النهاية على الموافقة، وليبدأ بعدها مشاكل أخرى تصل في بعض الأحيان إلى إنتحار الفتاة لسوء معاملتها ولعدم رغبتها في ذلك الزوج.
يشرح الباحث الإجتماعي محمد مراد أنواع الحيار الموجودة في المنطقة ويقول: “للحيار في الجزيرة السورية شكلان أولهما قيام الأب بإختيار عروس لإبنه منذ صغره من إحدى بنات أخيه حصراً، بغض النظر عن الفارق العمري بينهما ويكون ذلك بعلم جميع أفراد العائلة. أما الشكل الثاني فيكون عند إخبار والد البنت بنية أحد الشباب في طلب يد ابنته. فيرسل الوالد إلى أخوته يستشيرهم إن كان لديهم رغبة بخطبة ابنته، فإن كان لأحد منهم رغبة أعلن الحيار لأحد أبنائه.” ويشير الباحث إلى أن إبن العم لا يجبر على الزواج من إبنة عمه إلا في حالات نادرة، ومنها إذا كان الولد وحيداً من بين الذكور لوالديه: “لكن في معظم الأحيان لإبن العم الحق في رفض الزواج من إبنة عمه إذا كان يحب فتاة أخرى”.
وبادر الباحث محمد مراد مع مجموعة من الحقوقيين إلى تنظيم حملة في منطقة الحسكة تحث الفتيات على ضرورة إعلاء أصواتهن والتعبير عن رفضهن القاطع لمسألة حيارهن، مؤكدين على أن هذا النوع من الزواج يغتصب جسد المرأة ويحد من حريتها. وكانت لهذه الحملة نتائج إيجابية في بعض المناطق، حيث قام العديد من أولاد العمومة بفك الحيار عن بنات أعمامهم. ولكن المشكلة تكمن أيضاً في البيئة المحيطة التي تنظر إلى الفتيات والنساء المحيرات نظرة دونية. فلا يطلبها بعد فك الإرتباط أحد سوى الرجل الذي قد توفيت زوجته ولديه أطفال أو شخص يريد أن يتزوج إمرأة ثانية بسبب مرض زوجته الأولى.
وأجرت عضوة إتحاد ستار النسائي غير الحكومية والمعنية بشؤون المرأة في الجزيرة السورية “عبلة جمال” إحصاء في الجزيرة العربية وتبين لها بأن الحيار يصل إلى 10% من نسبة الزواج. وكانت حصة الأسد من هذه النسبة في منطقة الدرباسية، شمال الحسكة، التي يغلب عليها التكوين العشائري. وأشارت الناشطة إلى قيام الإتحاد بحملة توعية في مختلف مناطق الجزيرة. وأثمرت هذه الحملات عن نتائج إيجابية خاصة في منطقة الدرباسية التي تركزت فيها الحملة. وكمثال على النتائج الإيجابية تقول عبلة جمال: “في إحدى القرى والتي كان عدد سكانها لا يتجاوز المئة نسمة كان من بينهم سبعة بنات محيرات لأولاد عمومتهن. تراجع هذا العدد إلى أربع بنات، بعدما قام أولاد العمومة بفك إرتباط الحيار عن بنات أعمامهم مما يسمح لهن بالزواج من رجل آخر. اما الباقيات فكانت أعمارهن قد تجاوزت الخمسين عاماً مع العلم أن أولاد عمومتهن قد أصبح لهم أحفاد”.
وفي لقاءات مع بعض الشباب من محافظة الحسكة حول هذا الموضوع كان الكل مدافعاً عن حرية الفتاة في الزواج ومناهضاً للحيار. “لوسين” طالبة جامعية قالت:”تبدو شمس الرق والعبودية قد خبت من هذه الحياة، لكن نجد عبودية من نوع آخر ما تزال تمارس في مجتمعنا، ألا وهي سلب المرأة من حقوقها. فيغيب عنها حرية الإختيار والرأي، بسبب إرث نما وكبر في كنف مجتمع مترع بعادات وتقاليد بالية”.
“ناظم” وهو طالب في كلية الشريعة يستنكر بشدة هذه الممارسة: “المرأة كائن إنساني قائم بذاته، وقضية الحيار هي إحدى القضايا العالقة في أذهان المتخلفين منا، والذين سيدفعون بالنهاية فاتورة التطور والتقدم الذي يشهده العالم”.
أحمد وهو مدرس لمادة الفلسفة دافع أيضاً عن حق المرأة في إختيار شريك حياتها: “لا يجبر الرجل على الزواج من فتاة بعينها، إذاً فيجب أن تطبق هذه القاعدة على المرأة أيضاً. أن تجبر الفتاة على الزواج من إبن عمها أو من احد أقاربها خطأ فادح”.