الحماصنة أول من فعلها… ولكن!
لم تعد ميليا ذلك المساء إلى منزلها الواقع في حي الحميدية خلف مسجد خالد بن الوليد، فالحي معروف أنه من الأحياء المسيحية وفيه أقدم الكنائس على وجه الأرض (كنيسة أم الزنار) وميليا تقطن قرب هذه الكنيسة، وتزورها كل احد لتتبارك بصلوات مطرانها…
ذلك المساء الذي لم تعد به ميليا إلى منزلها، كانت الهتافات تتردد في ساحة الساعة الجديدة، التي غير المتظاهرون اسمها لتكون ساحة التحرير وسط محافظة حمص.
حمص التي عانت وعلى عقود من تغيير شكلها الديمغرافي، وتم إدخال الطوائف الأخرى عليها، لا بقصد العمل وإنما بقصد الاستيطان مع الحلم بدولة تكون لهم العاصمة.. قد تكون المعلومات التاريخية غير واضحة في هذا الجانب كما يردد أهالي حمص، لكن أطماع محافظها المخلوع أياد غزال تؤكد أنها كانت قاب قوسين أو ادنى من تحويلها إلى عاصمة أبدية لفئة قليلة حاكمة.
ميليا في ذلك المساء كانت مع أصدقائها يجهزون الساحة بالخيام والطعام ويمدون أكبال الكهرباء لينيروا الساحة ويجعلوا منها منارة لكافة أبناء سورية، ويرفعوا شعار “اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام”.. ميليا ترى أن الشعار مهم، لأننا نشأنا على دولة تتبنى الشعارات قبل أن تتبنى الأفعال، فوضعنا الشعار عسى أن يكون السبيل لحرية باتت ولادتها سريعة.
عمل الشباب والشابات في ذلك المساء اتسم بالترتيب، وبالأمكانيات الذاتية التي يملكونها، وما يحفزهم الأخبار التي يسمعونا من قبل أهاليهم والقنوات التلفزيونية العربية والعالمية عدا عن انتماء الكثير منهم لأماكن التوتر الكبيرة، فدرعا التي تحتضر والبيضا القريبة من بانياس تستغيث، ودوما التي تصرخ، وغيرها من المناطق التي تحتاج إلى معونة.
“قد لا يفعل الاعتصام الكثير، لكنه يخفف عن أهالنا في كل المناطق السورية”. تقول ميليا، “فالاعتصام هدفه الاول ايصال رسالة إلى كل ابناء الشعب السوري أننا يد واحدة ولسنا مندسين أو مخربين”.
وبدأت الدعوات، والمفاجئة أن الناس أتت دون أي دعوة بل توافدوا من كل حدب وصوب، والكل يشارك، وصلى الجميع صلاة العشاء، مسلمين ومسيحين وموحدين، لان كلمة الله واكبر أتت للجميع، وتعالت الهتافات، التي تنادي “بالروح بالدم نفديك يا درعا، بالروح بالدم نفديك يا بانياس، بالروح بالدم نفديك يا دوما”…
وبكى الكثير من الشباب والشابات، فمازالت رقعة الدم تتسع في المدن السورية، والمواطن السوري أصبح سعره أرخص من سعر الطلقة التي ثمنّها البعض بـ 12,5 ليرة سورية، وجلس الجميع ليستمع للخطب من قبل وجهاء المناطق التي توافدت على الساحة، والكل كان مع الثورة ومع المطالب المحقة لكافة الشعب السوري…
“سمعنا تحذير من الأمن أول الأمر لإخلاء الساحة” قالت ميليا و”تبعه تحذير أخر، وسمعنا بعد ذلك إطلاق الرصاص، وحمانا الشباب بإجسادهم أول الأمر، ومنعوا أن يقترب أحد من صف الفتيات، علماً أننا كفتيات لم نكن خائفين من الرصاص بمقدار خوفنا من الاعتداءات الوحشين التي مارسها رجال الأمن على المعتقلين قبل الاعتصام، وبعد منتصف الليل داهمت قوات الأمن بأعداد كبيرة مدعومة بطلقات ماطرة على المعتصمين لتفريق الجموع، وهرب الجميع”…
“لم نعرف من استشهد، ولا نعرف من اعتقله رجال الأمن لكن ما عرفناه أن بيان وزارة الداخلية في اليوم الثاني كان قد صدر بأن مجموعة من السلفيين احتلت ساحة الساعة الجديدة في وسط حمص وكانت ستعلن إمارة سلفية، وقامت رجال الأمن بتفريقهم مع سقوط عدد من رجال الأمن شهيداً”.
تضحك ميليا وتقول “استغرب كثيراً، فكيف صدر هذا البيان إذا كنت انا المسيحية السلفية! ورجال الأمن استشهدوا كما يقولون بالرصاص رغم أننا لم نكن نحمل سكيناً.. لتجيب بعد صمت “قد تكون هذه تبعات وزير الداخلية الجديد ذو الخبرة بهذه الأمور!!!”.