“الجيش الحر” والأحزاب الكردية المسلحة: صراع دائم… أم توترعرضي؟
رائد خليل*
يخيم على مدينة تل أبيض التوتر الذي ما إن يهدأ، حتى تشعله نيران الاشتباكات المتقطعة بين مسلحي “قوات حماية الشعب” الكردية ومسلحي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”حركة أحرار الشام”، بالاضافة لكتائب من “الجيش الحر”. التحالف الميداني بين هذه المجموعات التي توجه المسلحين الأكراد يشكل استثناءً، نظراً إلى الصدام بين “الدولة الإسلامية” ومجموعات من “الجيش الحر” في مناطق سورية أخرى.
مدينة تل أبيض التي تقع عند الحدود التركية على بعد نحو مئة كيلومتر إلى الشمال من مدينة الرقة، ذاق أهلها بكافة أطيافهم ويلات هذه المواجهات منذ اندلاعها بتاريخ 20 تموز/ يوليو 2013، وحتى يومنا هذا.
انطلقت هذه المواجهات بعد أن ألقت “قوات الحماية الشعبية” التابعة لـ”حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي القبض على قائد ميداني للـ”دولة الإسلامية في العراق والشام” يدعى أبو مصعب، متهمة إياه بتفخيخ مدرسة يسيطر عليها مسلحو الحزب، وعلى إثرها بدأت الاشتباكات بين الطرفين لمدة يومين انضمت خلالها فصائل من “الجيش الحر” لمقاتلة مسلحي الحزب، وإرغامهم على الخروج من المدينة.
تبع المواجهات نزوح المدنيين الأكراد والعرب خوفاً على حياتهم، الأمر الذي افسح المجال أمام ضعاف النفوس لسرقة الممتلكات الخاصة للنازحين من المدينة إثر إخلاء منازلهم بسبب الاقتتال.
بعد وساطات عدة قام بها وجهاء المدينة للخروج بحل وسطي بين الطرفين، جاءت عملية تبادل الجثث بين المتقاتلين بعد أسبوع على اندلاع المواجهات، حيث تمت مبادلة 15 جثة لمقاتلي “الدولة الإسلامية” و”الجيش الحر” كانت ملقاة في العراء قرب محطة للوقود بجانب قرية كندار الواقعة غرب المدينة، مقابل خمس جثث للمسلحين الأكراد.
في تل أبيض يتبادل طرفا الصراع الاتهامات والتخوين، فمنهم من يرى الآخر على انه انفصالي وعنصري ومتواطئ مع النظام، ويرد الآخر بتهمة التطرف والمحاربة لصالح أجندات خارجية.
أحد قادة كتائب “الجيش الحر” في المدينة ويدعى أبو عدنان (30 عاماً) يقول: “لم نخرج لقتال طائفة أو عرق محدد، فكلنا أخوة في هذا البلد والكل يعرف أن “الجيش الحر” لم يعتدِ على أحد وحتى الأكراد منهم أو يتطاول على مناطق سيطرتهم، وخصوصا في هذه المنطقة، ولكننا فوجئنا بانتشار مسلحي وقناصي حزب العمال الكردستاني في المدينة ومحاولتهم السيطرة عليها بشكل مباغت، وهذا ما يثبت سوء النية لهذه الاحزاب الانفصالية والمتواطئة مع نظام الأسد”.
يضيف أبو عدنان أنه أثناء المواجهات أصدرت جميع الكتائب بياناً بـ”حرمة دماء وأموال الأخوة الأكراد”. أما عن أعمال السرقة التي طالت بيوت الأكراد الذين نزحوا، يقول أبو عدنان: “جرت دعوة المدنيين منهم للعودة إلى بيوتهم حفاظاً على ممتلكاتهم، فليس بمقدورنا حراسة مئات البيوت والمحال، وهذا ما شجع ضعاف النفوس على سرقة بعض منها، على الرغم من تسيير دوريات على مدار الساعة داخل المدينة”.
الناشط في “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” أزاد محمد رد على الاتهامات التي توجه إلى الحزب من قبل بعض المعارضين العرب، بكون الحزب متواطئ مع النظام. يقول محمد: “نحن من أوائل الناس الذين قدموا شهداء في سجون النظام، ومنهم شهداء معروفين كالشهيد اوصمان دادالي”.
وعلق محمد على علاقة بعض أطراف المعارضة السورية مع جهات إقليمية، قائلاً:
“مع احترامي لأحرار باقي المدن السورية، فأغلبية المعارضين كانوا بعثيين، والآن هم عبارة عن أزلام آل سعود وآل حمد واردوغان وإسرائيل”، مضيفاً: “نحن مع أخوّة الشعوب في سوريا وفي الشرق الأوسط، ونريد سوريا ديمقراطية ومدنية”.
كلام آزاد محمد يقابله الناشط الإعلامي محمد أيمن بسؤال: “على ماذا يراهن أخوتنا الأكراد في وقوفهم إلى جانب نظام ظلمهم على مدى أكثر من 40 عاماً، وسلب حقوقهم وسرق أراضيهم، وحاول نسف ثقافتهم”.
أسئلة أيمن يزيد عليها الناشط الإعلامي ريبال محسن سائلاً، مردداً اتهامات ضد “حزب الإتحاد الديمقراطي” بمساعدة القوات الحكومية: “أهلنا وإخوتنا الأكراد، أين هم من المعارك في حمص والريف الدمشقي؟ وأين هم من التنديد باستخدام النظام للسلاح الكيماوي؟ أين الدبابات التي هرّبت من مطار منغ؟ أين الطائرات الحوامة التي نزلت من شهرين في منطقة عين العرب؟ أين المواجهات مع النظام؟”
الصراع العسكري والسجال على المستوى السياسي تقابله حملات توعية تهدف للحد من التحريض ومواجهة الفتنة ومنها حملة “خورزيه أنا أخوك”، وهي جملة تدمج كلمتي أخ باللغة الكردية والعربية، كان قد أسسها ناشطون وإعلاميون من المدينة في محاولة لتأكيد التعايش السلمي المشترك بين العرب والأكراد.
منسق حملة “خورزيه أنا أخوك” الناشط في المجال الإعلامي يسر الخضر (24 عاماً) يقول: “لمسنا إقبالاً كبيراً من الطرفين، ودعماً للفكرة من غالبية أبناء المنطقة، وحتى الهيئات الشرعية والكتائب المسلحة رحبت بالفكرة، ووعدت بتقديم كل ما يمكن لنجاح هذه الحملة…”.
وتقوم الحملة على نشر مقابلات مرئية أجريت مع بعض الناشطين من الأكراد والعرب، يؤكدون من خلالها، وباللغتين، على الأخوة العربية والكردية، إضافة إلى الكتابة على الجدران لبعض العبارات السلمية التي تدعو إلى التآخي. كما تم بناء خيمة في إحدى حارات الأكراد، حيث تم تشغيل أغاني كردية وعربية، وعرض مقاطع فيديو عن السلم الأهلي والعيش المشترك، بالإضافة لدعوة مشتركة إلى الإفطار.
من جهته يتوقف الناشط السياسي في ملتقى “سوريا للجميع” وعضو المجلس المحلي في المدينة صبحي سكر “هدف الحملة النبيل كرغبة إنسانية هدفها حفظ السلم في الأوساط الشعبية التي لا تخضع لحسابات حزبية”.
ويعتبر سكر أن الحملة هي “تحرك بالاتجاه الصحيح”، ويقول “نحن نلتزم بمساعدة القيّمين عليها إعلامياً ومعنوياً وبطرح أفكار تغني عملهم، ونضع إمكانياتنا تحت تصرفهم بهذا العمل”.
ورغم المحاولات والحملات الداعية إلى الوحدة ونبذ الفتن يبقى التخوين المتبادل بين طرفي الصراع سيد الموقف، والقتال يحصد المزيد من أرواح الطرفين، ويبقى المدنيون هم الضحية والمتضرر الأول والأخير من اقتتال لا تبدو حلوله قريبة في المستقبل.
*اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا