الثورة السورية وصراع المال

نشب حريق في أحد مصانع مجموعة “العلبي تكس” مرتين خلال أسبوع واحد. ويعد هذا المصنع من أكبر مصانع النسيج في سورية ويقع في محافظة حلب. وإتهم بعض المقربين من خالد العلبي، مدير “علبي تكس”، شبيحة النظام السوري بهذا الفعل معتبرين أن السبب وراء ذلك عدم دفع خالد العلبي مستحقات شهرية إلى الشبيحة التي يطالب النظام بها رجال أعمال سوريين. وأصبح هذا الحريق حديث الكثيرين من التجار والصناعيين في سورية وأثار الخوف والقلق في أوساط رجال الأعمال. ويتحدث البعض عن تهديدات يتلقونها بإستهداف مصالحهم وأموالهم كوسيلة ضغط للوقوف مع النظام، إضافة إلى تهديد بعض التجار بقتل وخطف أبنائهم.

ولكن الصورة عن طبيعة علاقة التجار السوريين بنظام الرئيس بشار الأسد في الأزمة الحالية تبقى غير واضحة المعالم. أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق رفض ذكر إسمه يقول: “للأسف العديد من رجال الأعمال والتجار السوريين المخضرمين تجمعهم مصالح مشتركة مع الأسرة الحاكمة في سورية. البعض يتعامل مع النظام بإرادته، آخرون يتعاملون معه رغماً عنهم وبعد التضييق عليهم. وحسب تقديري فإن 60 % من تجار دمشق مرتبطين بهذا النظام بطرق شتى، إما مشاركة بمشروع ما، أو محاصصة على الأرباح بهدف تسهيل الأعمال. وهذا ما يجعل الأمر بالنسبة إلى التجار معقداً”.

ويعتبر أحد التجار المؤيدين للنظام أن الأغلبية العظمى من التجار الكبار في المحافظتين حلب ودمشق تدعم النظام مالياً وبشكل كبير ويرى أن عمليات تمويل أجور الشبيحة ودعم الليرة السورية من طرف التجار هو رد للجميل. فالتجار وخلال العقود الماضية كانوا المستفيدين من هذا النظام، حسب رأي هذا التاجر. فالحكومات المتتالية أعطت التاجر السوري الأولوية في معاملاته وأعماله: “الكثير من القرارات الحكومية تصدر لتسيير معاملاتهم، وأغلب القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة مناصرة للتاجر والصناعي. فكيف لا نقف مع هذا النظام في الوقت الحالي؟” ويقصد هذا التاجر على سبيل المثال التخفيض الجمركي لعدد من البضائع المستوردة وتعديل قانون الشركات والضرائب بناء على طلب التجار.

ولكن في المقابل يقوم تجار آخرون بتقديم مساعدات مالية وعينية إلى مجموعات معارضة، حسب قول أحد المعارضين. ويرى التاجر يوسف أن تقديم هذه المساعدات ودعم المعارضة طبيعية جداً وبأنها ردة فعل على نظام الفساد الذي تتميز به علاقة التجار بمؤسسات السلطة وممثليها: “نحن نعامل كالدجاجة التي تبيض ذهباً. فندفع أموالاً طائلة للرشاوي والإكراميات ولوساطات ضباط الأمن والجمارك وموظفي المالية. وهذا كله يؤثر على أرباحنا ويؤدي إلى إرتفاع أسعار السلع في الأسواق. وبالنهاية تأتي الحكومة ووزارة الإقتصاد والتجارة لإتهامنا بالغش. فوصل معنا الأمر لحدود القرف من هذا النظام العفن والذي نخر الفساد عظامه!”.

هناك تقديرات تشير إلى أن ما يحصل عليه الشبيحة من التجار المؤيدين يقدر بملياري ليرة سورية شهرياً من دمشق وحلب فقط، بينما تحصل المجموعات المعارضة من التجار المناهضين للنظام من كافة أنحاء سورية نحو مليار و700 مليون ليرة سورية. ويشّبه البعض الدعم المالي الذي يقدمه تجار إلى طرفي النزاع بوجه آخر للصراع القائم حالياً بين الأجهزة الأمنية من طرف والمحتجين من طرف آخر.

وقررت وزارة الإقتصاد والتجارة تأجيل إجتماعات الهيئة العامة لغرف التجارة حتى إشعار آخر دون توضيح الأسباب. ويسلط أحد أعضاء غرف التجارة البارزين على هذه الخطوة بالقول: “إن تأجيل هذا الإجتماعات أتى بناء على توجيهات من القيادة الأمنية والقصر الجمهوري”. ومن المعروف أن غرف التجارة في سورية ليست مؤسسات مستقلة تمثل مصالح أعضائها، بل على علاقة وثيقة بالسلطة. ولكن من الظاهر أن ثمة حالات من التململ بدأت تصيب بعض أعضائها. ومثال على ذلك بسام الملك، العضو السابق في غرفة تجارة دمشق الذي صرح بمعارضته للنظام الحاكم، فصدر قرار شفهي بفصله من عضوية غرفة التجارة. وعلق عضو في الغرفة على هذا الإجراء قائلاً: “غرفة التجارة ألعوبة واضحة بيد ضباط الأمن وأعضاؤها أحجار شطرنج بأيدهم”.

ورغم توجيه إنتقادات حادة إلى التجار في حلب ودمشق منذ إندلاع الإحتجاجات الشعبية في سوريا في منتصف مارس/آذار الماضي بسبب عدم إعلان معارضتهم العلنية للنظام الحاكم، إلا أن تصريحات من مجموعات معارضة تقول إن التجار يقومون بواجبهم في الوقت الحالي. وتشير مجموعات معارضة إلى أنها لا تريد منهم التظاهر أو التفاوض مع السلطة، وإنما دعم المعارضة مادياً ومعنوياً من خلال المشاركة في الإضرابات أو العصيان المدني الذي سيؤدي أخيراً إلى سقوط النظام، حسب إقتناع هذه المجموعات.