الثورات لا تدار بالريمونت كونترول..

بقلم: ناشط حقوقي سوري

هذه دعوة للأمل وليس العكس..ما يحصل في المنطقة يعطينا دفعة أمل كنا بحاجة إليها منذ زمن بعيد، لكي نقول للعالم، ولكن لأنفسنا أولا، أننا نستحق الحياة، وأننا كغيرنا في هذه المعمورة، لدينا كرامة تتألم وحرية تكره جدران القمع.

هذا ما فعلته الثورتان التونسية والمصرية بنا حتى الآن. قالتا لنا بالعربي الفصيح، أننا لم نكن مجرد حالمين، وأن ماظنه البعض مستحيلا، بتبريرات شتى، قد تحقق أو كاد في دولتين من دول المنطقة المنكوبة بالاستبداد منذ عقود.

لكن وفي الوقت نفسه، يتيح التمعن في التجربتين التونسية والمصرية، الخروج بنتيجة بديهية- إلا للبعض، ومفادها أن الأمر ليس بمثابة فيروس ينتقل بالعدوى عابرا للحدود. اختلاف طبيعة الأنظمة العربية من بلد إلى بلد، تركيبتها وتحالفاتها ومصالحها ومدى الخراب الذي أحدثته في بنية الدولة والمجتمع، فضلا عن أسلوب تعاملها مع مواطنيها ومستوى شدة قمعها أو استعدادها لسفح الدم عند الحاجة، يلعب دورا كبيرا في إمكانية استقبال رياح التغيير.

دعوات عبر الحدود للتظاهر !

لهذا بالضبط، شعر كثيرون في الداخل بالاستياء من دعوات “يوم الغضب السوري”. تلك الدعوات التي تعاملت بكثير من قصر النظر والاستخفاف بوقائع الأمور. لم تقم أية جهة معارضة في الداخل بتبني تلك الدعوات على الإطلاق، وهذا ليس مستغربا، فهي بحكم تواجدها على الأرض، قادرة على استقراء الأمور وتقدير إمكانية الدعوة لتحرك شعبي على الأرض من عدمه.

في الواقع، جميع صفحات الدعوة “ليوم الغضب” على الفيس بوك، والدعوات التي أرسلت عبر رسائل نصية إلى المواطنين، وجهت من جهات وأشخاص معارضين في الخارج.

خطر فقدان المصداقية..

ولعل تلك الجهات وأولئك الأشخاص، لا يعون بعد أنهم مع الوقت يصبحون عبئا على الحراك المعارض وجميع قوى التغيير في سوريا، بل عبئا على مقولات الحرية والتغيير بشكل عام. وأنهم يستخدمون وسائل الاتصال الحديثة التي ساهمت في إشعال ثورات مجاورة، بشكل عبثي وغير مدروس، يؤدي مع الوقت إلى فقدان أغلبية الناس بكل ما ينشر وينظم عبر تلك الوسائل، فضلا عن فقدانها الثقة بقوى المعارضة وكل ما يصدر عنها.

لقد اهتمت مختلف وسائل الإعلام الغربية بتلك الدعوات، وتدفق العديد من الصحفيين الأجانب إلى البلاد لتغطية “يوم الغضب السوري”، كي يفاجئوا بهدوء تام لا يوحي بأية بوادر لحراك شعبي واسع.

وفي ذلك، ضربة أخرى وجهتها المعارضة في الخارج إلى الحراك الديمقراطي السوري، بكثير من العبثية وسوء التقدير.

قد تتحمل فصائل المعارضة الوطنية في الداخل والمثقفين والنشطاء جزءا من المسؤولية، بالتزامهم الصمت تجاه ما حصل. وبعدم تبرؤهم من تلك الدعوات وكشف عبثيتها. لكن من ناحية أخرى، نعلم جميعا أن الفضاء المفتوح للانترنت يتيح مجالا واسعا لا يمكن ضبطه أو مواجهته بالدعوات المضادة والحروب الكلامية. وفي النهاية، هي المسؤولية الأخلاقية والسياسية لأولئك المتواجدين في الخارج والذين يستعجلون على الشعب قيامه بثورته من وراء البحار.

نعم..سوريا مختلفة

ويقول البعض بأن الظروف في سوريا أسوأ من مصر وتونس بما لا يقاس وبالتالي يجب أن تكون مهيأة للثورة قبل أي دولة أخرى، وأقول، بأن هذا بالذات سبب رئيسي لتأخر الشعب السوري في أي تحرك الآن أو في المستقبل. فصحيح تماما أن شدة القمع الذي عرفه ويعرفه الآن السوريون، لم يعان منه شعب عربي آخر ربما باستثناء العراق.

والهوامش التي كانت متاحة للتحرك في دول أخرى لم تكن يوما متاحة للسوريين، وليس لدى معظم شعوب المنطقة تاريخ قريب مكتوب بالدماء ومدن تدمرت تحت وقع قذائف الدبابات والطائرات كما هو الحال في سوريا. وليس لدى معظم تلك الشعوب نظام يلعب على الوتر الطائفي لضمان استدامة حكمه والحفاظ عليه، وليس من نظام عربي آخر يستخدم الأوراق الإقليمية الساخنة والتدخلات في شؤون الدول الأخرى كي يحافظ على بقائه، ويجعل من معادلة علاقاته الاقليمية والدولية بالغة التعقيد.

لحظة السوريين..

هذا لا يعني بحال من الأحوال أن السوريين سيبقون صامتين إلى الأبد، لا الظروف الدولية والاقليمية، ولا مستجدات المنطقة ولا ظروف السوريين أنفسهم تسمح بذلك، ولا يمكن التنبؤ بلحظة انفجار غضب السوريين ولا بشكله، والذي قد لا يكون بالضرورة استنساخا للتجربتين المصرية والتونسية.

لكن هذا يتطلب من جهة أخرى، احترام معاناة الشعب السوري، وتفهم ظروفه المتشعبة والمعقدة، ولا يفيد بحال من الأحوال استعجاله من وراء البحار للقيام بثورة، فذلك سرعان ما سيتحول في حال استمراره إلى نكتة سمجة ويفقد السوريين ثقتهم بأية دعوات جادة أو حراك مستقبلي ينبثق من الداخل السوري.

السوريون، أو جزء كبير منهم كي نبتعد عن التعميم المسف، هم غاضبون بالفعل، وحزانى لما آلت إليهم أوضاع بلادهم على الصعد كافة. لكنهم كما سئموا إجبارهم على الخروج بمسيرات التأييد الزائفة للنظام، سيسأمون دعوات خروجهم إلى مظاهرات الغضب الزائفة. عندما يخرج السوريون إلى الشارع، فذلك سيكون قرارهم وحدهم، ولحظتهم وحدهم. فالثورة لا تدار بالريمونت كونترول من وراء البحار.