التهاب الكبد يصيب إدلب وريفها
معاينة طفل مصاب بالتهاب الكبد تصوير ماهر العمر
"انتشر مؤخراً مرض التهاب الكبد في الشمال السوري، تزامناً مع ضعف القطاع الطبي المدمَّر بفعل القصف، وانتشار الأغذية الملوّثة، وقلّة اللقاحات، والاكتظاظ في مراكز الإيواء وسوء الوضع البيئي في بعض المدارس الغير مستوفية للشروط الصحية"
أمضى الطفل عمار (13 عاماً) أكثر من أربعة أيام طريح الفراش، وكان وضعهُ يزداد سوءاً حين اكتشفت والدته أنه مصاب بالتهاب الكبد المزمن. تقول والدة عمار: “أحمدُ الله أنني تداركت الأمر واكتشفنا المرض قبل أن أخسر ولدي”.
انتشر مؤخراً مرض التهاب الكبد في الشمال السوري، تزامناً مع ضعف القطاع الطبي المدمَّر بفعل القصف، وانتشار الأغذية الملوّثة، وقلّة اللقاحات، والاكتظاظ في مراكز الإيواء وسوء الوضع البيئي في بعض المدارس الغير مستوفية للشروط الصحية… ويُضاف إلى كل ما سبق، قلة المياه والخوف المستمر من القصف، فالخوف من أحد أسباب المرض.
والدة عمار وتُدعى خديجة العيد (38 عاماً) من مدينة معرة النعمان، تتحدّث لحكايات سوريا عمّا جرى مع ولدها بالقول: “كنتُ أظن بأن حالة ابني هي تشنج في الأمعاء، بعد أعراض الغثيان والدوار بسبب خوفه من القصف الذي استهدف مكاناً قريباً منا، فقد تعرّض لهذه الحالة في السابق وشُفي منها، غير أن حالته هذه المرة تدهورت إلى حدِّ كبير، فعرضتُهُ على طبيب أجرى له فحوصاتٍ كاملة ونتيجة التشخيص تبيّن أنه مصاب بالتهاب الكبد”.
كان الخبر مفاجئاً للأم التي خافت على ابنها من تبعات هذا المرض الخطير، خاصة بعد أن وضع طبيبه اللوم عليها لتأخرها نوعاً ما في عرضه على الأطباء. وتقول خديجة العيد: “أخبرني الطبيب بأنّ نسبة المرض مرتفعة عند عمار إلى … وهذا ما جعلني أقلق بشكلٍ كبير”.
استغرق علاج عمار الشهرين وقد شُفي واستعاد عافيته بعد تلقيه العلاج واتباعه حمية محدّدة، لا سيما وأنّ نوع الإصابة كانت “التهاب الكبد أ” وهي قابلة للشفاء أكثر من الأنواع الأخرى من أمراض الكبد.
وللاطلاع على أنواع مرض الكبد وأعراضه وأسباب انتشاره، التقينا مدير مشفى السلام الجراحي في معرة النعمان الطبيب فراس الجندي (48 عاماً)، الذي قال لموقعنا: “إنّ التهاب الكبد عبارة عن ثلاثة أنواع هي أ، ب، وس، بالإضافة إلى أنواع جديدة قيد الدراسة… والأكثر انتشاراً في مناطق الشمال السوري هو التهاب الكبد الفيروسي أ، وهذا النوع هو عدوى عالية الانتشار تسبّب التهاباً يؤثّر على قدرة الكبد في أداء وظائفه”.
يُصاب الشخص بفيروس أ، عندما يتناول طعاماً أو شراباً ملوثاً بخلاف التهابات الكبد الفيروسية من النوعين ب وس، والتي تنتقل للمريض عن طريق عمليات نقل الدم الملوّث بالمرض، وهو ما قد يحصل في الحالات الإسعافية حين لا يتم التأكد من سلامة الدم بشكل صحيح… وفي هذه الحالة يكون المرض خطيراً ويمكن أن يتسبّب بوفاة المريض، بحسب ما يقول الطبيب فراس الجندي.
أمّا عن أبرز أسباب انتشار مرض التهاب الكبد أ، فيقول الجندي: “إنَّ أبرزها هو تلوّث الأطعمة والمياه وخاصة في الوقت الراهن حيث تعيش المنطقة الشمالية صراعاً حادّاً أدّى لتدهور الوضع الصحي والمعيشي”.
الطفلة سلام (7 سنوات) أُصيبت بالتهاب الكبد أ، وذلك على خلفية انتقال العدوى إليها من زميلتها في المدرسة، وتقول والدتها: “إنَّ أعراض عديدة ظهرت على ابنتي ما جعلني أقلق عليها كثيراً، كالتوعُّك، نقص الشهية، الإسهال، انزعاج بطني، يرقان وحكة جلدية… وقد عرفتُ بأنها أعراض مرض خطير”.
وتؤكّد الوالدة بأنّ مدة علاج سلام كانت طويلة، ذلك لأنها كلما تماثلت للشفاء تعود للانتكاس ثانيةً نتيجة توقف الحمية، غير أنها شُفيت أخيراً.
إن كانت سلام قد شُفيت واجتازت محنة هذا المرض، فإنّ الشاب إيهاب كليدو (25 عاماً) قضى بمرض التهاب الكبد أ، ولم يستطع الأطباء فعل أي شيء لإنقاذ حياته نظراً لأنّ إصابته بالمرض كانت قوية وبلغت أعلى المستويات…
الطبيب المختص بالأمراض الهضمية علي الداني (30 عاماً) يلفت إلى أنّ علامات مرض التهاب الكبد وأعراضه غالباً ما تظهر عند المرضى البالغين أكثر من ظهورها لدى الأطفال، وكذلك تزداد عندهم شدّة المرض وترتفع نسبة الوفيات في الأعمار الأكبر، فنسبة الإصابة بالمرض بالنسبة للأطفال فوق عمر الست سنوات والبالغين تكون أكبر من صغار السن وقد تصل إلى 70 بالمئة من عدد الحالات.
ويتابع الداني بأنّ طول مدة المرض وشدته تختلف من مريض لآخر، ولكنّ معظم المرضى يُشفون بعد شهر من ظهور الأعراض لديهم وتلقيهم العلاج والمضاعفات تكون نادرة. كما يقول الطبيب الداني أنّ المريض بعد شفائه يكتسب مناعة تلقائية ضد الإصابة بفيروس التهاب الكبد أ في حال تعرّض لهُ مجدّداً.
الصيدلانية لمياء (26 عاماً) تحمّل مسؤولية انتشار مرض التهاب الكبد للجهات المعنية كوزارة الصحة التي لم تسعَ لتأمين اللقاحات ضد المرض طيلة سنوات الثورة، وأيضاً فالمجالس المحلية ليست بمنأى عن المسؤولية لعدم تفقّد سلامة الأغذية ومصادرها كما تقول، فيما توجّه لوماً إلى مديرية التعليم التي لم تتفقّد أوضاع المدارس في الوقت الراهن والتي أصبحت تفتقر للكثير من معايير الصحة في مياه الشرب ودورات المياه.
جهاد العيدو (32 عاماً) أحد موظّفي وزارة الصحة الحرة يقول: “أنّ لقاحات التهاب الكبد فُقدت خلال سنوات الثورة من المصدر، وذلك بسبب المعارك الدائرة والقصف وانقطاع التيار الكهربائي الضروري لحفظها، ولكن اليوم ومع سريان تنفيذ الهدنة في إدلب وريفها، عادت مراكز اللقاح الثابتة للمنطقة والتي من شأنها تزويد الأطفال بمختلف اللقاحات الضرورية ومن أهمها لقاح التهاب الكبد بأنواعه”.
وبالنسبة لوجود أغذية ومواد تموينية منتهية الصلاحية وغير معروفة المصدر، قد غزت أسواق ريف إدلب في الآونة الأخيرة، وكانت سبباً في انتشار مرض التهاب الكبد، يُطلق الصيدلاني محمد الفريد (29 عاماً) صرخة في هذا الإطار ويسأل: “مَن المسؤول عن ذلك؟”…
أبو علاء (42 عاماً) أحد أعضاء المجلس المحلي في معرة النعمان، يوضح “أنّ المجلس المحلي يتولى مهاما عديدة تبدأ بالإغاثة وتنتهي بإصلاح البنى التحتية، وفي حال وجود أي مواد غذائية مشبوهة يحبّذ لو يتم تقديم شكاوى بهذا الخصوص ليتم متابعة الأمر وضبط جميع التجاوزات بمساعدة وزارة الصحة الحرة”.
أكثر من ألفي حالة إصابة بمرض التهاب الكبد تمّ تسجيلها في المراكز الصحية في محافظة إدلب خلال العام 2017، في حين تمّ تسجيل 1225 حالة في محافظة حلب بحسب الطبيب فراس الجندي الذي يختتم حديثه لموقعنا قائلاً: “في المناطق التي تشهد نزاعات وحالات طوارئ وأزمات إنسانية كسوريا، فإنّ المواطن يتحمّل المسؤولية الأولى بالحفاظ على صحته، بالابتعاد عن المواد الغذائية المشبوهة ومتابعة سلامة ونظافة غذائه، والحرص من انتقال العدوى إليه من أحد المصابين تلافياً للإصابة بالأمراض المنتشرة في الشمال السوري”.