التعليم العادل والآمن في ريف إدلب

نعم للتعليم الآمن في سوريا صورة خاصة لحكايات سوريا

ينطلق الطفل عمار السعيد (9 سنوات) بهمّة عالية كل صباح باتجاه مدرسة القرية، حيث يتلقى التعليم الذي افتقده لسنوات مع عدد من رفاقه جراء الحرب من جهة، وجهل الأهالي بأهمية التعليم من جهة أخرى.

أطلقت منظمة سداد مشروع “دعم التعليم العادل والآمن” واستهدفت من خلاله الأطفال في منطقة جبل شحشبو التابعة لريف ادلب الجنوبي منذ بداية العام الدراسي 2019، إضافة إلى عملها على تأمين كافة الخدمات وبرامج التوعية للأطفال والناشئين الذين اضطروا للنزوح جراء تصاعد وتيرة العنف والقصف الذي بدأ منذ شهر شباط/فبراير الماضي.

يقول الطفل عمار مبتهجاً: “أحب المدرسة وأحب المعلمين وأحب الحقيبة المدرسية والقرطاسية الجديدة التي حصلت عليها مجاناً. وأحب أيضاً الأنشطة الرياضية والترفيهية والتعليمية المختلفة”.

لم يعهد عمار التعليم في السابق نظراً لعدم وجود كادر تدريسي في قريته الصغيرة والنائية، لكنه اليوم بدأ يرتاد المدرسة وتعلم فيها الكثير من الأحرف والأرقام. وغدا قادراً على تركيب الأحرف ونطق عدد من الكلمات، وهو يحلم بأن يصبح معلماً في المستقبل ليعلمّ الأطفال الصغار.

يهدف مشروع سداد التعليمي لدعم العملية التعليمية باستهداف 12 مدرسة في منطقة جبل شحشبو، من خلال تأمين رواتب المعلمين والمستلزمات الدراسية وعمليات الترميم للمدارس المستهدفة. إضافة لوجود أنشطة صيفية عبارة عن تعليم غير رسمي للأطفال خلال فترة الصيف.

مدير المكتب الإعلامي في منظمة سداد حمادة السلطان (30 عاماً) يقول: “بلغ عدد الأطفال المستهدفين ضمن المشروع أكثر من 3 آلاف و350 طفلاً، فيما وصل عدد المدرّسين ضمن المشروع إلى 100 معلم في الإختصاصات المتنوعة، من التربية إلى الأدب العربي والرياضيات. وهم موزعين على المدارس المستهدفة في قرى: ترملا ،الفقيع، فليفل، حزارين، كفرموس، كوكبة، راشا الشمالية، قوقفين، شولين وغيرها من القرى”.

وعن التحديات الكبيرة التي تواجه المشروع يضيف السلطان: “القصف المستمر من قبل الطيران الحربي على البلدات المستهدفة في المشروع، وانعدام الأمن وصعوبة إقناع الأهالي بأهمية التعليم لأطفالهم، بحكم أن المنطقة زراعية ونائية وغير منفتحة، كانت من أكبر التحديات التي واجهتنا، وهو ما دفعنا لاستهداف أكثر من 890 شخصاً وهم من أهالي الأطفال ضمن جلسات التوعية بأهمية المدرسة وفوائد التعليم الكبيرة لأبنائهم”.

ويلفت السلطان إلى أن الحملة العسكرية الأخيرة على المنطقة ونزوح الأهالي والطلاب من قراهم يشكل تحدياً جديداً بالنسبة للمشروع، نظراً لصعوبة جمع الطلاب في مكان واحد للعمل على إقامة الأنشطة الصيفية التي كانت مقررة ضمن المشروع. وقد تمكنوا من تحقيق ذلك بعد جهد كبير، وجمعوا عدداً من الطلاب في مناطق النزوح وقدموا لهم أنشطة التعليم الغير رسمي خلال الفترة الحالية.

تعمل المنظمة ومن خلال التنسيق التام مع مديرية التربية في إدلب على إعتماد المناهج التدريسية في المنطقة. أحمد مصطفى (30 عاماً) وهو أحد المعلمين العاملين في المشروع يقول: “نواجه طلابا ذوي مستويات ضعيفة في التعليم لكونهم لم يدرسوا من قبل ولم يرتادوا مدارس سابقاً. وهو مايدفعنا لتكثيف جهودنا معهم بغية تلقينهم جميع الأسس التعليمية بطريقة سهلة وسلسة”.

يشعر مصطفى بالألم والخيبة لما صار عليه حال الطلاب، ويؤكد “أن رحى الحرب هرست في طريقها على مدى 8 سنوات بنية المجتمع السوري بقطاعاته المختلفة. وكان التعليم أحد تلك القطاعات التي عمقت الحرب سلبياته المتمثلة بإنحدار في مستوياته وضعف جودة مخرجاته وضياع إستراتيجياته، لتقوده نحو شفى الهاوية وتترك فيه آثاراً لن تقتصر على الفترة الحالية وإنما ستطال المرحلة المقبلة من مستقبل البلاد. دمرت المدارس وشردت أطفالها وأصابتها بنقص كبير في كوادرها التدريسية إما بالهجرة أو النزوح”.

مصطفى ومن خلال مشروع سداد التعليمي يأمل أن يتمكن من المساهمة بتطوير مهارات الطلاب، وتعزيز فرص حصولهم على التعليم بشكل عام، بما يمكنهم من تدارك النقص الكبير بالخبرات التعليمية في السنوات الماضية.

ويؤكد مصطفى أنهم مستمرون بتقديم دروس التعليم غير الرسمي، والتي تشمل دروس المتابعة والتقوية ودروس القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، عن طريق إستهداف مجموعات الطلاب ضمن المدارس في القرى المعنية، وفي الأماكن التي نزحوا إليها. من أجل ضمان عدم إنقطاع الأطفال عن التعليم وفي سبيل دعم صمودهم. ويلفت إلى مساهمة المشروع بإيجاد فرص عمل لعدد كبير من المعلمين الباحثين عن عمل.

اعتاد أهالي تلك القرى على العمل الزراعي، وقلة إهتمامهم بتعليم أبنائهم وهو مايعبر عنه أبو لؤي الغابي (40 عاماً) والد أحد الأطفال المستفيدين من المشروع.  ويقول أبة لؤي: “نهتم بالعمل بالأراضي الزراعية منذ نعومة أظفارنا وهو ما أنشأنا أطفالنا عليه. ما فائدة التعليم ونحن بحاجة لعمال زراعة ضمن أراضينا الواسعة؟”

ويضيف أبو لؤي: “لا بأس من تعليم أبنائنا بعض أسس القراءة والحساب لأنها ممكن أن تفيدهم في حياتهم العملية. ولذا لم أمانع في إرسال إبني للمدرسة لتعلم تلك الأشياء. وخاصة بعد دعوتنا لجلسات توعية من قبل منظمة سداد وهي ما بيّن أهمية التعلم على المدى البعيد والقريب بالنسبة لجميع الأطفال”.

لاتخفي الطفلة رهام (7 أعوام) فرحها بحضور النشاطات الصيفية التي يقيمها المشروع التعليمي فتقول: “نمضي أوقاتاً ممتعة بصحبة صديقاتي ونلعب ونمرح ونتعلم”.

تعتبر منظمة سداد الإنسانيةمنظمة غير حكومية وغير ربحية تأسست عام 2015 في الداخل السوري المحرر وتحديداً في ريف إدلب الجنوبي، ومن أهم أهدافها الإرتقاء بالمستوى الفكري والثقافي للإنسان بتأهيله وتدريبه للوصول إلى مجتمع فعال ومنتج وتطوير المجتمع المدني والنهوض بالمستوى المعيشي بدعم المشاريع التنموية الهادفة، وهي شريكة مع صندوق التمويل الإنساني التابع للأمم المتحدة.

وأشارتقرير صادر عن منظمة يونسيفإلى أن 2,8 مليون طفل تركوا مدارسهم نتيجة تدميرها أو هروبهم من مناطق الصراع أو لتوجههم نحو سوق العمل لإعالة أسرهم. المعلم محمد الصالح (27 عاماً) يصف هذه الإحصائية بأنها “مرعبة” لأنها تحمل في طياتها تبعات خطيرة، أدناها حرمان الطفل من التعليم وأعلاها توجهه نحو الإنخراط في صفوف الفصائل المسلحة في أعمار مبكرة.

ويقترح الصالح “زيادة العمل على مثل تلك المشاريع التعليمية الهادفة لمحاولة إنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن الجهل والأمية والإنحراف”.