البيلسان مركز لتدريب الطفل والمرأة

صالة كبيرة مقسمة إلى عدة غرف، في كل غرفة عدد من الكراسي والطاولات،أجهزة للصوت وأدوات تدريبية. يجتمع عدد من الأطفال بشكل يومي في صالة المركز الرئيسية، هناك يبدأون نشاطاتهم التعليمية والمسرحية التي يتلقونها من المدربين. وتجتمع النساء في غرفة أخرى من أجل البدء بجلسات حوارية وتبادل للآراء حول الحضور النسائي.

هذا النشاط بدأت تشهده بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي، بعدما أعلن عدد من الناشطين عن افتتاحهم لمركز البيلسان، وذلك بحضور العشرات من المصورين والقنوات الإعلامية. وتم الافتتاح بحضور نسائي كثيف وحضور عدد من الأطفال الذين تدربوا على تمثيل مسرحيات تعبر عن الواقع السوري. ويهدف المركز إلى تطوير فكر الطفل بعيداً عن الحرب، وخصوصاً الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وكذلك تعزيز دور المرأة في المجتمع من خلال ندوات وملتقيات حوارية مستمرة.

تؤدّي دوراً تمثيليا أمام الحضور من الأهل في مركز البيلسان تصوير أحمد السليم

مراسل “دماسكوس بيورو” زار مركز البيلسان حيث التقى مديره عبد الله حاج سليمان  خريج كلية الحقوق في جامعة حلب سابقاً(36عاماً) الذي أوضح أن “بناء مركز لدعم المرأة السورية في منطقة جبل الزاوية هو فكرة عدد من الناشطين السوريين، بهدف النهوض بواقع المرأة التي تعاني من ضغوط الحياة، خاصة مع فقدان المعيل جراء الصراع والحرب الدائرة هناك. ويقدم المركز عدداً من الدورات التدريبية والثقافية والنشاطات الترفيهية الخاصة بالمرأة بهدف مساعدتها على الاعتماد على ذاتها لمواجهة ظروف الحياة”.

وقال سليمان: “حاولنا أن نبني مركزاً يجمع المرأة مع طفلها، وخصوصاً الأطفال الذين تأثروا جرّاء الحرب. فهناك العديد منهم يعاني بشكل يومي من ظروف الحرب المستمرة منذ أربع سنوات. هناك بعض الأطفال ممن فقدوا أهلهم، لذلك كان دورنا في أن نخرج هذا الطفل من طقس الحرب، من خلال تدريبه على العمل المسرحي الذي يشخص الواقع، وتقديم الألعاب والهدايا مكافأة على عملهم”.

وقام بعض ناشطي المركز بطلاء بعض الغرف بألوان متعددة، ورسموا على جدرانها صوراً لشخصيات كرتونية. جلبوا عدداً من الألعاب وكرات القدم، وكذلك تم وضع أجهزة للتصوير. يتم توزيع الأطفال على عدة مجموعات، مهمة كل مجموعة التدرب على عمل مسرحي مختلف. يتم تدريبهم من قبل الفريق المسؤول عن التدريب. بعد الانتهاء من العمل والذي يستمر لأسابيع، يتم توجيه دعوة عامة لمتابعة العرض المسلحي غالباً يكون الأهل في مقدمة من يلبّيها.

عبيدة الطراف (21عاماً) المسؤول عن تدريب الأطفال وتأهيلهم وقد تلقى عدة دورات تدريبية في مدينة غازي عنتاب التركية وخلال لقائه مراسل “دماسكوس بيورو” قال: “إن الخطة الزمنية لتنفيذ المشروع هي 6 أشهر، نحاول خلالها التركيز على الدعم النفسي للأطفال، ومحاولة إخراجهم من الواقع الذي يعيشونه. وهذا الأمر ضرورة مجتمعية خصوصاً العمل على معايير الصحة النفسية، ونقوم بتنفيذ عدة نشاطات تمكن الطفل من العودة إلى حياته الطبيعية بشكل تدريجي”.

يضيف الطراف: “في مركز البيلسان نهتم بابتسامة الاطفال ولذلك قمنا بفعاليات عدة تخصهم، كتدريبهم على بعض المسرحيات الواقعية ليعبروا عمّا بداخلهم من مخلفات الحرب، وحاولنا جاهدين أن نرسم الابتسامة على شفاههم ببعض الهدايا الرمزية، أو بعض الأناشيد التي تحاكي الواقع وكنا معهم يدا بيد ووجدنا كثيراً من التفاعل من قبلهم والتحسن يجري بشكل ملحوظ”.

الطفلة شهد (10 أعوام) فقدت والدها خلال القصف الذي تعرض له ريف إدلب. تتدرّب شهد بشكل يومي على تمثيل أدوار مسرحية، من أجل المشاركة في الاحتفالات التي يقيمها المركز. وتقول شهد: “في المركز اكتسبنا مهارات جديدة، وأصبحنا نقوم بأدوار تمثيلية ترافقها الموسيقى الحزينة التي تعبر عن حالة الطفل السوري في هذه الحرب والتي نالت إعجاب الكثيرين، وكذلك يقوم فريق المركز بمنح الهدايا والألعاب للمتفوقين في عملهم”.

 

ويقدم القسم النسائي في مركز البيلسان خدمات كبيرة، وشهادات في مجالات التمريض، تساعد حاملاتها على تأمين فرصة عمل في المشافي والمستوصفات. كما يقوم القسم بتعليم النسوة المهن الحرفية كالخياطة والتطريز، وتسويق منتجاتهن من هذه البضائع عبر ضخها في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى المنتديات والحوارات الدورية، والتي تمكن من تعزيز دور المرأة في المجتمع خصوصاً بعد التهميش الذي تعرضت له قبل الثورة وبعدها.

أم عبد الله (41عاماً) مسؤولة القسم النسائي في مركز البيلسان تقول: “المركز عبارة عن نتاج لتجميع فكري قامت به مجموعة من النسوة، بهدف الخروج من حالة الركود التي تمر بها المرأة السورية في المجتمع، والوصول إلى دور كبير تكون فيه المرأة عوناً لزوجها ووالدها في تأمين حياة كريمة”.

لاقت فكرة المركز ترحيباً جيداً من قبل الأهالي في بلدة حاس، كونه يستطيع استيعاب النساء وخصوصاً اللواتي بقين دون عمل بعد فقدان عشرات النساء لأزواجهن في هذه الحرب الدائرة منذ أربع سنوات.

خالد السليمان (33عاماً) إبن بلدة حاس خريج كلية الإرشاد النفسي يقول: “المرأة التي تفقد زوجها تشعر أنها أصبحت عبئاً على هذا المجتمع، وتشعر بأنها ضعيفة وتحتاج العون من الآخرين كي تربي أطفالها. وبنفس الوقت فإن المجتمع في مناطقنا لا يسمح للمرأة بالتعبير عن رأيها أو العمل في أماكن يعمل فيها الرجل فهي بالنسبة لهم ربة منزل لا أكثر”.

يضيف السليمان: “من شأن هذه المراكز تغيير هذه النظرة بطريقة ناعمة وهادئة لدى المجتمع من دون أن تحدث ضجيجاً، والارتقاء بفكر المرأة من أجل تسلم دورها الريادي وتكوين نفسها لتكون هي المثقفة والأم والمعلمة”.