البطالة في حلب نوع آخر من الحروب
لينا الحكيم*
(حلب، سوريا) – مع استمرار المعارك في مدينة حلب منذ ما يزيد على العام، وجد العديد من العمال والموظفين والفنيين أنفسهم بلا عمل مع عدم توافر بدائل، فأطلّ شبح البطالة برأسه، لينضم إليهم خريجو الجامعات، بعدما ازدادت صعوبة تأمين سمات السفر للسوريين للعمل في الخارج كما كان الحال قبل الثورة السورية، وخاصة إلى دول الخليج العربي.
توضح الإحصاءات الرسمية للعام 2010 أن معدلات البطالة في سوريا بلغت نسبة 8.4 بالمئة، ويقدّر الخبراء الإقتصاديون معدل البطالة بـ 20 في المئة، فيما تفيد الدراسات الأخيرة لمنظمة “الإسكوا” التابعة لـ”الأمم المتحدة” أن نسبة البطالة ارتفعت إلى 49 بالمئة خلال الربع الأول من العام 2013، ويعتبر القطاعين الصناعي والتجاري الأكثر تشغيلاً في مدينة حلب بوجود المنشآت الصناعية الأكبر على مستوى البلاد، ما جعلها العاصمة الإقتصادية.
أبو عبدو وهو رجل في الخمسينات من عمره كان من تجار سوق العطّارين في حلب القديمة، يعمل الآن على بسطة نباتات طبية في أحد شوارع حي حلب الجديدة، يقول “لم يتبقَّ شيء من متجري في سوق العطّارين، وأعتمد الآن على “البسطة” لتأمين الدخل لعائلتي إضافة لبعض المدخرات”.
كان العصب التجاري في حلب القديمة يعرف باسم سوق المدينة. يحتوي على أسواق متعددة مثل خان الحرير، سوق الصّاغة، سوق الصوف، سوق العطّارين، السويْقة، وقد تعرض السوق لحريق كبير في أيلول/ سبتمبر من العام 2012، كما تعرضت مناطق العواميد وباب النصر وجادة الخندق إلى دمار كبير.
وهناك المدينة الصناعية في منطقة الشيخ النجار التي تم إنشاؤها خلال السنوات الست الماضية. تم نقل المنشآت الصناعية من قلب المدينة إلى مناطق مخصصة لهذه الغاية، شملت صناعات نسيجية وغذائية وكيميائية وهندسية وكهربائية، لكنها تعرضت للتدمير ونهب آلياتها على يد بعض الكتائب التابعة للمعارضة المسلحة، متمثلة بقادتها الذين باتوا مشهورين بنهبهم وسرقتهم لعصب المدينة مثل أحمد عفش وخالد الحيّاني وحسن جزرة الذي تم إعدامه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 على يد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. كما تشهد الشيخ نجار حالياً معارك محتدمة بين قوات المعارضة والنظام، كانت المصانع نفسها في كثير من الاحيان مسرحاً لها.
للبطالة أثرها الواضح على اليد العاملة المؤهلة. أحمد، الذي كان يعمل مهندساً كهربائياً في المدينة الصناعية، بمتوسط دخل شهري يبلغ نحو 40 ألف ليرة سورية (266 دولار أمريكي)، بات عاطلاً عن العمل منذ العام 2012، ولم يتلقَ أي تعويض مالي، ويقول “لم أستطع أن اجد عملاً بديلاً… لولا أن زوجتي موظفة تتقاضى راتباً لكانت حالتنا أصبحت سيئة للغاية”.
أيمن (35 سنة) هو أب لطفلين، كان يوزّع صحيفة إعلانية بمرتّب 15 آلاف ليرة سورية (100 دولار أمريكي). طرد أيمن من عمله بعدما توقفت الصحيفة عن الصدور في بدايات العام 2012، دون الحصول على أي تعويض مالي. انتقل أيمن لبيع غزل البنات في الشارع لبعض الوقت لكي لا تجوع عائلته. “أكثر الأمور سوءاً كان تأمين الحليب والحفاضات لابنتي، كانت تأتينا بعض المساعدات لكنها غير كافية فكنت أضطر للإستدانة من أصدقائي”، يقول أيمن. ولتخفيف مصاريف الحليب بدأ أيمن وزوجته بإطعام الطفلة أغذية أخرى، بينما ابنه بدأ يعاني من هشاشة البنية نتيجة سوء التغذية، يبيع أيمن حالياً القطع الكهربائية الصغيرة بمدخول شهري غير ثابت لا يتجاوز بضعة آلاف في الشهر.
أما عبد الله (36 سنة)، فكان يعمل في برمجة مواقع التجارة الإلكترونية، بمدخول شهري يقارب 1000 دولار أمريكي. أغلق المكتب أبوابه في بدايات العام 2012. وحتى تاريخه لا يزال عبدالله عاطلاً عن العمل، لكنه يقول إنه، “لحسن الحظ”، ليس متزوجاً.
بانة (26 سنة) خريجة كلية التربية قسم الإرشاد النفسي دفعة العام 2011 تقول “منذ ما قبل تخرجي وحتى الآن لم أحصل على عمل ثابت. أقدم جلسات لأطفال ذوي احتياجات خاصة في منازلهم، لكنه ليس عملاً ثابتاً، خاصة في الفترة الأخيرة. معظم الأهالي يغادرون المدينة أو لم يعد بإمكانهم تكّبد تكاليف الجلسات”. تكلف الجلسة الواحدة نحو 500 ليرة سورية (حوالي 4 دولارات أمريكية) ويحتاج الطفل بين ثلاث وأربع جلسات في الأسبوع بحسب الحالة.
درست عنفوان (25 سنة) الصيدلة وتخرجت في العام 2012، وكانت تعمل مندوبة دوائية في إحدى الشركات المحلية قبل تخرجها، لتجد نفسها بعد التخرج بلا عمل نتيجة توقف المعمل عن الإنتاج وإغلاق الشركة. وتتحفّظ الشركات الدوائية على تعيين موظفين جدد نتيجة قلة العمل في السوق الدوائي. “لم أفكر يوماً بمغادرة سوريا للعمل كما يفعل العديد من الخريجين، فالصيدلة من المهن التي تعود بمدخول مالي جيد جيداً، أما الآن فأنا عاطلة عن العمل وحتى إن راودتني فكرة السفر فكوني سوريّة يلغي احتمالات حصولي على تأِشيرة عمل”. وليس بمقدور عنفوان إفتتاح صيدلية خاصة، حيث ينص القانون السوري على مزاولة المهنة لعامين في أحد الأرياف قبل التمكن من افتتاح صيدلية داخل المدينة.
ومن الجدير بالذكر، أن مدينة حلب، وسوريا، عموماً تعاني من الغلاء في كافة المستلزمات الحياتية نتيجة لانهيار قيمة الليرة السورية أمام سعر صرف الدولار الأمريكي حيث تتراوح قيمة الليرة السورية بين 149 و155 دولار أمريكي في مدينة حلب، ويختلف سعر الصرف بشكل طفيف بين مختلف المحافظات السورية. وزادت قيمة السلع كافة بمقدار يتراوح بين 150 و200 بالمئة عن الأسعار ما قبل انهيار الليرة السورية فأصبح تأمين لقمة العيش هاجساً لدى كافة المواطنين.
*اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا.