الانترنت في سوريا رهينة الرقابة وانقطاع الخدمة
سلام السعدي
(دمشق، سوريا) – يمضي رامي ساعات طويلة على شبكة الانترنت في منزله في ضاحية حرستا، أو ضاحية الأسد كما باتت تعرف، وهي تقع في محيط العاصمة دمشق. ويشتكي الشاب العشريني والذي يدرس الحقوق في جامعة دمشق من “الانقطاعات المستمرة للشبكة، وانعدام فعاليتها وهبوط أدائها”. يشرح رامي كيف “انقطعت الشبكة لمدة ثلاثة أشهر متواصلة قبل نحو عام، وعندما عادت للخدمة لاحظنا أنها باتت ضعيفة الفعالية، فلا يمكن الوصول للمواقع الالكترونية إلا خلال ساعات محدودة جداً من النهار”. هذا الأمر دفعه للتقدم بشكوى إلى مقسم الهاتف في الضاحية لكن “من دون جدوى، إذ اخبروني أن الشبكة تعمل بشكل جيد، وان هبوط أدائها خلال ساعات النهار هو بسبب الضغط الشديد من قبل المستخدمين”. ويتساءل رامي: “لماذا لم يكن هنالك ضغط شديد كما يدعون قبل عام، حيث كانت الشبكة تعمل بجودة عالية؟”.
لا يشكل ضعف شبكة الانترنت حيث يقيم رامي حالةً خاصة، إذ تشهد العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية هبوطاً عاماً في أداء الشبكة، ويصيب الهبوط بشكل خاص مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني. وهو ما يؤكده الشاب قصي (33عاماً)، الذي يقطن مع عائلته في حي مساكن برزة، ويدرس في كلية الهندسة المعلوماتية في جامعة دمشق، إذ “تعمل الشبكة بشكل جيد للوصول إلى المواقع الالكترونية المختلفة، لكن الوضع يسوء أثناء فتح مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيس بوك”، والبريد الالكتروني خصوصاً “جي ميل””. ويتابع: “الظاهرة التي باتت شائعة هي صعوبة إجراء محادثة عبر موقع “فيس بوك”، إذ لا تصل المحادثة إلى صديقك، وهو ما يجعلنا نتخوف من أن السبب في ذلك، بالإضافة لضعف البنية التحتية للشبكة، هو الرقابة الحكومية على الانترنت”.
وتشكل الرقابة الأمنية على شبكة الانترنت في المناطق الخاضعة للحكومة هاجساً بالنسبة للناشطين على وجه الخصوص. إذ استفاد الشباب السوري بصورة كبيرة من الشبكة العنكبوتية في بداية الاحتجاجات الشعبية في آذار/ مارس 2011، فشكلت الطريقة الأنسب لعقد الاجتماعات وتنسيق النشاطات في بلاد تمنع حرية العمل السياسي العلني والتجمعات.
وهو ما دفع الحكومة لتعزيز الرقابة على الشبكة. إذ اصدر الرئيس السوري بشار الأسد بعد نحو عام من اندلاع الاحتجاجات، مرسوماً تشريعياً يتعلق بتطبيق أحكام قانون “تنظيم التواصل على شبكة الانترنت ومكافحة الجريمة المعلوماتية”. ويهدف المرسوم إلى “مكافحة الجريمة الإلكترونية، وتحديد مسؤوليّات مقدّمي الخدمات على شبكات المعلوماتيّة، وتوصيف الجرائم المتّعلقة باستخدام شبكات المعلومات، كما يفرض عقوبات جزائيّة على من يرتكب الجريمة المعلوماتيّة” كما تقول مقدمة المرسوم. لكن الهدف الرقابي والامني من القانون يتضح أكثر بالدخول في نصه. إذ ألزم القانون مقدمي الخدمات على الشبكة بـ “حفظ نسخة من المحتوى المخزن لديهم، وحفظ بيانات الحركة التي تسمح بالتحقق من هوية الأشخاص الذين يسهمون في وضع المحتوى على الشبكة”. كما يتوجب عليهم “تقديم أي معلومات تطلبها السلطات القضائية المختصة”. ويعاقب من يخالف تلك التعليمات بغرامة من 100 ألف إلى 500 ألف ليرة سورية، ما يعادل تقريباً 670 إلى 3,300 دولار أميركي. وإذا كان “الإهمال مقصوداً” كما يقول القانون، تكون العقوبة “الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، والغرامة من مئتي ألف إلى مليون ليرة سورية”.
تؤكد منظمة “مراسلون بلا حدود” قضية الرقابة المتزايدة على شبكة الانترنت في سوريا. وكانت المنظمة قد نددت في بيان في أيار/ مايو 2013 لها بوجود 34 من خوادم شركة “بلوكوت”. ويستعمل هذا النوع من العتاد وفق المنظمة الدولية “لتحليل ومراقبة نشاط مستعملي الإنترنت السوريين: حجب المواقع، اعتراض الرسائل الإلكترونية، تفاصيل المواقع التي يزورها مستعملو الإنترنت…”. كما صنفت المنظمة سوريا ضمن خانة “البلدان عدوة الإنترنت”، وفق ما ورد في التقرير الخاص بالرقابة الذي نشرته في شهر آذار/ مارس 2013.
في معظم المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، تغيب شبكة الانترنت الحكومية، ما يدفع الناشطين هناك لاعتماد خيارات بديلة. التقرير الأخير حول حرية الانترنت، والصادر قبل أشهر عن مؤسسة “فريدوم هاوس”، سجل ارتفاعاً في المخاطر التي تتهدد الناشطين الإعلاميين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، الأمر الذي دفعهم للانتقال إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي تتمتع بحسب التقرير “بدرجة حرية اكبر من مناطق النظام”، لكن انقطاع شبكة الانترنت هناك “يدفع الناشطين لاستخدام وسائل أكثر تكلفة، مثل الانترنت الفضائي”. خصوصاً مع “دمار البنية التحتية لشبكة الانترنت في 7 مدن رئيسية على الأقل”، كان أكثرها تضرراً كل من حمص ودرعا وحلب.
يؤكد أحمد طه أبو خليل مسؤول العلاقات في”المجلس المحلي لمدينة دوما” لموقع “دماسكوس بيورو” ما يذهب إليه التقرير. يقول أبو خليل: “لا يوجد شبكة إنترنت حكومية في بلدات الغوطة الشرقية، باستثناء بعض المناطق المحاذية لمناطق النظام، حيث توجد الشبكة على أسطح الأبنية”. أما الشائع بما يخص استخدام الانترنت بالنسبة للناشطين فـ “إما عن طريق الانترنت الفضائي، أو من خلال مقوي شبكتيّ “تو جي” وثري جي” “، أو الجيل الثاني والجيل الثالث من شبكل الانترنت عبر الهاتف الخليوي وحول إمكانية بناء شبكة محلية يقول: “بعد إحكام الحصار على الغوطة من قبل قوات النظام، وإغلاق كافة منافذ التهريب لم يصلنا أي مقوي إشارة أو جهاز فضائي، فالمجلس المحلي لديه خبراء ومهندسون يمكنهم تطوير شبكة محلية، لكن ينقصهم المعدات الضرورية”. أما الأسعار بحسب أبو خليل فقد “سجل سعر المقوي قبل الحصار نحو مئة ألف ليرة سورية، وارتفع بعد الحصار إلى نحو 250 ألف ليرة، هذا في حال أمكن تأمينه، وعندها نعتمد على شبكة الهاتف المحمول (سيريتيل، إم تي إن) بباقة 10 جيغابايت، وبتكلفة 5000 ليرة سورية شهرياً. أما الانترنت الفضائي فعندما كان متوفراً سجل متوسط سعره ألفي دولار، وهو مشحون بباقة 50 غيغابايت لمدة ستة أشهر وغالباً يستخدم جهاز الاستقبال من نوع “أسترا” “.
يقول قصي بحزن: “للأسف، لم نحظَ يوماً بشبكة انترنت جيدة، فلقد طورت الحكومة الشبكة لتصبح أكثر عمومية وجودة بصورة واضحة في عامي 2010 و2011، ثم ما لبثت أن بدأت تضع القيود عليها، حتى تكاد تكون اليوم إحدى أسوأ الشبكات في العالم”.