الإعلام السوري ومأزق التمويل الخاص

بعد فترة من الاستقرار النسبي وتأسيس العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الجديدة يواجه الكثير من الصحفيين السوريين اليوم موجة من التسريح التعسفي. هناك حالات طرد في مجلة “أبيض أسود” وموقع “سورية الغد” المدعومان من القصر الجمهوري، وإغلاق كامل لجريدة “الخبر” الأسبوعية دون ذكر الأسباب وتسريح صحفييها. هذه الجريدة مملوكة لطريف الأخرس صهر الرئيس. كما يشهد صحفيو صحيفة “بلدنا” اليومية موجة تسريح أيضاً. هذه الجريدة مملوكة لمجد سليمان ابن بهجت سليمان السفير الحالي في الأردن وضابط المخابرات السابق. الوضع مشابه في صحيفة “الوطن” اليومية الممولة من قبل رجل الأعمال وابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف. تهديد مستمر وحالات طرد أيضاً في موقع “شام برس” الذي على علاقة وثيقة بالقصر الجمهوري. كما يقول صحفيون بأنهم مهددون بالطرد الفوري إذا خرجوا عن الخط السياسي للوسيلة الإعلامية. قائمة أسماء الصحفيين العاطلين عن العمل في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها سورية أصبحت طويلة.

“نعرف أنهم لايسألون عنا، وغير مكترثين لما يحصل معنا” يقول صحفي رفض ذكر اسمه عاطل عن العمل في الوقت الحالي، ليردف: “عملنا معهم في الرخاء وقبلنا بشروطهم، فلا تأمينات ولا أجور ثابتة، وفي النهاية الطرد هو الطريق الوحيد لمن يتحدث عن القليل من حقوقه”. فقد طرد الصحفي بسبب تأخره عن الدوام صباحاً.

إغلاق جريدة “الخبر” الاقتصادية الاسبوعية بقرار من صاحبها كان وقعه كالصاعقة على الوسط الصحفي السوري. فالجريدة التي تأسست قبل أربع سنوات كانت تعتبر مشاكسة، كما اعتاد البعض مناداتها، لأن رئيس تحريرها السابق يعرب العيسى وخلفه زياد غصن اشترطا على المالك أن يكون التحرير مستقلاً عن التمويل. فاعتبرها الكثيرون مشاكسة لفتحها ملفات شائكة. ورغم ترخيصها كوسيلة إعلام اقتصادية، إلا أن الأحداث التي تدور في سورية جعلتها تتجه إلى تغطية الأحداث الساخنة سياسياً، بعيداً عن المهادنة لأي طرف. وعلل البعض أن الخوف على مصالح طريف الاخرس القريب من السلطة هو السبب الأساسي في إغلاق الجريدة.

وتصف موظفة سابقة في مجلة “أبيض وأسود” طريقة تسريحها من عملها: “كانت مفاجئة، فلم يحاول مدير التحرير أن يمهلنا شهراً واحداً، أو حتى إبلاغنا قبل فترة لنحاول البحث عن عمل آخر”. وقام المسؤولون عن المجلة بتسليم الرواتب إلى العاملين مع إخبارهم بأنها الساعة الأخيرة لهم.

لكن أحد صحفيي المجلة (تحفظ عن ذكر اسمه) قال إن المسؤولين في “أبيض وأسود” وموقع “سٍورية الغد” اللذين يملكهما محمد تركماني ابن وزير الدفاع السابق يلمحون منذ بداية الأحداث في سورية إلى أن الأوضاع المالية في الوقت الحالي سيئة، رغم حصولهما على دعم من القصر الجمهوري. وأكد رئيس موقع “سورية الغد” مازن بلال أن الإعانات التي كانت تأتي من القصر الجمهوري قد تم تخفيضها.

السيناريو نفسه يتكرر في الكثير من المواقع والجرائد والصحف الخاصة التي على صلة وثيقة بشخصيات قريبة من السلطة أو التي تحصل على دعم مالي منها. ويحاول المسؤولون في صحيفة “بلدنا” اليومية المنوعة و”الوطن” اليومية السياسية التضييق على الصحفيين بتهديدهم بالتسريح الفوري دون إنذار مسبق في حال ارتكاب أي خطأ. وقد طرد بالفعل عدد من الصحفيين أبرزهم المصور الصحفي مظفر سلمان بحجة أنه اشترك في إحدى المظاهرات. لكن سليمان قال: “كنت في مهمة للجريدة لتصوير المظاهرة، ثم اعتقلت. ولم يعترف رئيس التحرير بذلك بل قال أنني كنت مع المتظاهرين”.

كثيراً ما يرفع الإعلام السوري شعار محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين عن أي خلل يقومون به. ولكنه يحتاج الآن إلى من يكتب عنه وعن حالات الفساد التي تنخر بجسده وطريقة معاملة الصحفيين.

أما اتحاد الصحفيين فليس أحسن حالاً من أعضائه. إذ نجده لا يمارس صلاحياته وواجباته ويتقاعس عن الدفاع عن صحفي القطاع العام أمام القضاء في حال كشفهم عن حالات فساد ورفع قضايا ضدهم. ومن المعروف أن القيادة في الاتحاد يتم اختيارها من الصحفيين الموالين للسلطة، كما لا يوجد تمثيل كاف لمصالح الصحفيين العاملين في القطاع الخاص.

يقول أحد رؤساء التحرير السابقين في جريدة خاصة الذي يعمل الآن سائق تكسي: “الأفضل في دولة كسورية أن يكون للصحفي في القطاع الخاص عمل آخر، صاحب مطعم أو وظيفة أخرى أو حتى بائع بسطة على الرصيف. فهذه المهن مجدية مالياً وأفضل من أن يتحول الصحفي إلى تابع لرجل أعمال يقتات على فتات مائدته”.