الإعتقال لا يزال يلاحق الناشطين السلميين

حسن عارفة

بخطوات متثاقلة، يجرّ عروى جسده النحيل وأيديه متشابكة بأيادي رفاقه ليتكئوا على بعضهم البعض. يخرج من النظارة في القبو، ويمشي في ساحة القصر العدلي بلحيته الكثيفة وشعره القصير، وكأنه خارج من كهف. يتصنّع البسمة أمام أمه خوفاً من دموعها بينما لا يستطيع رفع يديه، ثم يدخل إلى القاعة للمثول أمام المحكمة .

“أنت متّهم بالتحريض على التظاهر ودعم العصابات المسلحة،” يقول القاضي.

1
معتقل يتعرض للضرب على أيدي عناصر الأمن – يوتيوب

يجيبه عروى: “إعترفت تحت التعذيب وهاتين يديّ اللتين لا أستطيع رفعهما، وجسدي الذي لم يبقَ فيه أي مكان لم يتعرض للتعذيب.”

يخلع عروى قميصه ليرى القاضي هذا المشهد، ثم تسجل براءته ويفرج عنه. يعود الناشط السلمي إلى أمه التي تبكي وتقول بحرقة كبيرة: “لم أربِّ إبني ستة وعشرين عاماً وأعلمه حتى المرحلة الجامعية لأراه بهذا الحال!”

عروى، الذي تم اعتقاله من داخل حرم الجامعة، هو واحد من آلاف المعتقلين الذين احتجزوا في سوريا منذ بداية الإحتجاجات العام الماضي، والذين بلغ عددهم 34277 حتى إعداد هذا التقرير، بحسب “مركز توثيق الإنتهاكات في سوريا”.

لا يزال عدد المعتقلين من بين الناشطين السلميين يرتفع، رغم انحسار الحراك الاحتجاجي السلمي بشكل كبير في ظل عسكرة الثورة وتحول عدد كبير من الناشطين من العمل السياسي إلى الإنخراط بالتغطية الإعلامية والعمل الإغاثي، ورغم مراسيم العفو الرئاسية العديدة التي صدرت حتى الآن.

ففي مطلع العام 2012 أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة على خلفية الأحداث التي وقعت من تاريخ 15 آذار/مارس 2011 وحتى تاريخ صدور هذا المرسوم في 15 كانون الثاني/يناير 2012، كما أصدر في أيار/مايو مرسوماً تشريعياً بمنح عفو عام عن عقوبات ينص عليها قانونا خدمة العلم والعقوبات العسكرية، للجرائم المرتكبة قبل 2 أيار/مايو 2012. وأعلن مؤخراً خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر عن مرسوم تشريعي بمنح عفو عام، ولكن إثر كل مرسوم كان العدد الأكبر ممن يطلق سراحهم من المحكومين الجنائيين وليس معتقلي الرأي.

لماذا يستمر اعتقال النشطاء السلميين؟

سارة هي الأخرى ناشطة سياسية سلمية، كانت قد اعتقلت على خلفية نشاطها في تنظيم العمل الإغاثي والمظاهرات ثم أطلق سراحها.

ترى سارة أن النظام يعتقل الناشطين السلميين لأنه يريد الاستمرار بالحل الأمني، وهدفه دفع الشعب إلى حمل السلاح وبالتالي إيجاد مبرر لأفعاله أمام العالم. وبحسب رأيها، فإن الثورة لو استمرت سلمية لكانت شكلت حرجاً كبيراً للنظام، ولما كان بمقدور الأخير إيجاد الذرائع للهجوم على المدن والبلدات بالدبابات والطائرات.

يوافقها عروى الرأي في شرح دوافع النظام لاعتقال الناشطين السلميين، قائلاً إن هدف الإعتقالات هي  تصفية الحراك السلمي وتحويله إلى مسلح. ولكن هذه الخطوة تأتي بنتائج معاكسة، بحسب عروى، فالنظام يخسر مؤيديه لا سيما في بيئة الشخص المعتقل.

ريما، وهي ناشطة سياسية سلمية كانت تعمل في حمص والآن تعيش خارج سوريا، تقول إن النظام يحرص على اعتقال النشطاء السلميين لكونهم “الوجه الحضاري والموجه الفكري المدني للثورة،” على حد تعبيرها، وفي غيابهم تبرز المجموعات المسلحة.

لا تخفي ريما قلقها من اعتقال النشطاء السلميين، فهم المحرضون على الحراك المدني ولولاهم لسيطر النهج المسلح على الثورة بشكل كامل منذ البداية، كما أن النشاط السلمي هو الوسيلة الوحيدة لكسب الرأي العام العالمي، كما  تقول. ولكن ريما  في الوقت نفسه تشدد على أن اعتقال النشطاء السلميين قد يأتي بنتائج عكسية، إذ يجعل الأشخاص الواقفين على الحياد يتعاطفون مع المعارضة وقد تتغير آراؤهم.

يوافقها في هذا القول ناشط سلمي آخر، عرّف عن نفسه باسم ميلاد، مضيفاً أن النشاط السلمي ضروري ومرادف للحراك المسلح، اذ يقول إن الحراكين سويةً يوصلان سوريا إلى دولة مدنية، ولا يخفي أن الحراك السلمي قد خفت وتيرته، لكنه لم ينتهِ، بحسب رأيه، بل  يتوجه إلى كل الأطراف، إن كان “الجيش الحر” أو الجيش النظامي، عبر نشاط مثل حملة “أوقفوا القتل”.

تصميم رغم الألم

لا يزال عروى يتذكر ظروف اعتقاله الأليمة والمهينة بكل تفاصيلها.

أثناء الإعتقال تعرض عروى للتقرح جلدي في ظهره بسبب الحساسية وسوء بيئة السجن، ما استوجب نقله إلى مشفى المزة الخاص بالمعتقلين، والذي يُسمى “فرع الـ601″. لا يوجد أسماء للبشر في هذا المشفى، يقول عروى؛ فلكل معتقل رقم، يجب أن يتلوه حين يسأل عن اسمه، وإذا أخطأ وقال اسمه سينال الكم الكبير من الضرب والتعذيب.

” أسوأ شيء في هذا المكان أننا كنا نرى الموت في كل لحظة، لا نعرف متى نُضرب ونعذب فكلُّ واحد منا رقم وسيأتي دوره في تذوق أبشع أنواع العذاب،” يضيف عروى.

ولكن بالرغم من كل ما مر به عروى، لا يزال يؤمن بضرورة العمل على إسقاط النظام.