الإذاعات عبر الإنترنت: تجربة جديدة في الإعلام السوري

 استطاعت الثورة السورية أن تحقق تغييرات كبيرة في المجتمع، وهي لا شك أثرت في الساحة الإعلامية. فقد شهد العامان الماضيان بروز وسائل إعلامية جديدة تواكب الثورة، وتقوم على جهود متطوعين ومتطوّعات وتنقل محتواها إلى الجمهور عبر الإنترنت، كاسرة بذلك احتكار الإعلام من قبل الحكومة.

فريق "العاصمة أونلاين" داخل الاستديو – يوتيوب
فريق “العاصمة أونلاين” داخل الاستديو – يوتيوب

 أبرز هذه الوسائل هي إذاعات تبث عبر الإنترنت وتقدم برامج متنوعة وتحاول مخاطبة دائرة واسعة من الجمهور السوري، مما جعلها تتميز إلى حد ما عن صفحات مواقع الإعلام الإجتماعي، لا سيما موقعي فيس بوك ويوتيوب، التي تديرها لجان التنسيق المحلية وتركّز على التطورات الأمنية على مستوى المناطق.

إحدى هذه المبادرات التي انطلقت بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العام 2011 هي إذاعة “العاصمة أونلاين“، التي تبث أثيرها عبر الإنترنت من موقع سري في دمشق منذ نيسان/أبريل 2012، وهي تعد مستمعيها بالبدء بالبث عبر موجات “إف إم” قريباً. اجتمع على تأسيس هذه الإذاعة نحو أربعون شاباً وشابة من الخريجين والطلاب المتخصصين بالإعلام، والذين عملوا على تنمية مهاراتهم في العمل الإذاعي من خلال دورات تدريبية.

يقول أويس العمر، أحد المشرفين على المشروع، إن “العاصمة أونلاين” تتوجه إلى المواطن السوري بخطاب “محلي صادق، يلامس اهتماماته ويلبّي احتياجاته.”

 فهذه الاحتياجات، بحسب العمر، تم تجاهلها من قبل الإعلام السوري الذي عانى من غياب الحرية لعشرات السنين.

يطغى الواقع الأمني والسياسي في سوريا على محتوى البرامج التي تقدمها “العاصمة أونلاين”، إذ تتراوح مواضيعها بين الأنباء والتطورات الميدانية التي تنقلها مجموعة من المراسلين في دمشق وريفها، وعرض تجارب معتقلين سياسيين تعرضوا للتعذيب، بالإضافة إلى رصد المتغيرات السياسية التي تشهدها سوريا، من خلال برامج تعرّف المستمع بمفاهيم مثل “الحكومة الانتقالية”.

للسوريين المغتربين أيضاً دور في تنمية هذه المبادرات. “ياسمين الشام” هي إذاعة مركزها في المملكة العربية السعودية، تبث برامجها عبر الإنترنت من داخل استديو قدمه مجاناً شبان سوريّون يعملون في مجال التسجيل الموسيقي.

يتوزع فريق عمل الإذاعة بين سوريا وأكثر من دولة أخرى، يربط بين أعضائها الإتصال عبر البريد الإلكتروني وسكايب. تتركز برامج الإذاعة على المواضيع الخاصة بالمجتمع السوري التي تتمتع بـ”الطابع الإنساني” على حد وصف أحمد عمقيّة أحد المشرفين على الإذاعة، ولذا يقل المحتوى الإخباري.

وضعت “ياسمين الشام” لنفسها هدفاً واضحاً، وهو “خدمة الثورة”، بحسب عمقيّة الذي يشدد على أن الإذاعة لا تنتسب إلى أي حزب أو تيار سياسي وليست منحازة إلى أي مكون من مكونات المجتمع السوري، على الرغم من نشر بعض الأناشيد والأدعية الإسلامية على صفحة فيس بوك الخاصة بها.

“هناك برنامج كامل عن الأكراد في سوريا وعن باقي الطوائف، كما أن البرامج وسطية الفكر ليست دينية متشددة”، يقول عمقية.

من جهته يشيد رئيس “رابطة الصحفيين السوريين” عقبة الأحمد بالدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الجديد، لا سيما في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان، على الرغم من العقبات التقنية التي تصعب هذه المهمة. ويقول “للإعلام الجديد… الدور الأكبر في نقل انتهاكات النظام والمجازر التي ارتكبت وترتكب بحق المدنيّين في سوريا إلى العالم رغم العوائق والصعوبات”…

بالإضافة إلى تأدية هذا الدور المرحلي الذي يتحدث عنه الأحمد، يأمل أويس العمر، الذي يعمل في إذاعة “العاصمة أونلاين”، أن تكون إذاعته والإذاعات الأخرى الشبيهة حجر أساس لنمط إعلامي جديد في سوريا.

فهو يتطلع إلى أن يتوسع مجال عمل هذه المؤسسة الشابة في المستقبل وأن يتنوع المحتوى الذي تقدمه، وأن تساهم في تأسيس “إعلام ناضج  يحترم عقل المتلقي السوري ويفيده في حياته بالمعارف… والمواد الخبرية والترفيهية”.