الإدمان يجتاح مناطق المعارضة!
تتعدد أوجه الإدمان إلا أن أخطره يبقى الإدمان على المخدرات تصوير شادية تعتاع
"أرى إبني يموت أمام عينَي من أثار الإدمان، ولا أستطيع أن أفعل له شيئاً"
“قبلَ ثلاث سنوات، كنتُ أُعاني من وضع نفسي سيء بسبب ظروف الحرب الأليمة. وفي إحدى السهرات مع أصدقائي، كنتُ أبوحُ لهُم عن حالتي، ففاجأني أحدهُم بإعطائي نوعاً من الحبوب، وقالَ لي: جرّبها وستتحسّن حالتك!” يقولُ خالد: “نعم جرّبتُها وأعجبَتني، بعدَ ذلك صرت مُدمناً عليها”!
خالد (28 عاماً) من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي، صار ممّن يتعاطون المخدرات، ويقول: “لم أكن لأفعل ذلك لولا الظروف التي تمرُّ بها البلاد، من حصار وقتل ونزوح وخوف وبطالة”.
وتنتشر ظاهرة الإدمان في المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، نظراً لسوء حال الشبّان فيها، ولعدم وجود رقابة حقيقية، ومُتابعة للمشكلة، في ظل حصار النظام لتلكَ المناطق. كما أنَّ الإدمان، لم يعد يقتصر على مواد كالحشيش والكوكايين، بل ينتشر عبر الإدمان على المواد المُخدرِّة، الموجودة في المشافي الميدانية في المناطق المُحرَّرة. وبالتالي صارَ الإدمان يطال العاملين في المشافي، لسهولة حصولهم على الأدوية المُخدرِّة المُخصَّصة للعمليات الجراحية وحالات البتر الكثيرة.
آمنة (16 عاماً) من بلدة حاس تحدِّثُنا عن قصتها، بعدما تزوّجت من شاب مدمن. وتقولُ آمنة: “تزوّجتُ قبلَ سنتين من شاب اسمهُ حسام، وكانَ عمري حينذاك 14 عاماً. كان حسام ممرِّضاً في أحد المشافي الميدانية، ولم تستغرق خطبتي منهُ سوى 20 يوماً. حينها لاحظت أنهُ مُقِل في حديثه ويشردُ كثيراً، لكن لم يكن لدي أدنى فكرة عن الموضوع، كنتُ أظن أنهُ خجول ومُهذّب!”
تُتابع آمنة: “بعد أسبوع من زواجنا، بدأت المشاكل بيننا، وصارَ يضربني. أُمهُ كانت الوحيدة التي تعلم بأنه مُدمن على المورفين، الذي يحصل عليه من خلال عمله في المشفى”.
تقولُ آمنة: “كنتُ ضحيةَ زواج سرقَ مني أحلامي، فلم أكن أعلم أنَّ حسام أدمن قبلَ سنة من ارتباطي به… مع ذلك صبرتُ عليه في بادئ الأمر، كي لا أعود إلى منزل أهلي وأعيش تحت رحمة زوجة أبي… لكنني انفصلتُ عن حسام بعد أربعة أشهر من زواجنا، وصارَ إسمي مطلّقة، وأنا بعمر الـ 14 عاماً! فلم أعد أتحمَّل ضربه لي وعوارض الإدمان التي تظهر عليه”.
موقع حكايات سوريا التقى الطبيب عقبة دغيم، الذي حدّثنا عن أنواع مواد الإدمان. قائلاً: “تختلف أنواع مواد الإدمان وأشكالها بحسب طريقة تصنيفها، فالبعض يُصنِّفها على أساس طرق إنتاجها أو حسب لونها… وكذلك بحسب مدى اعتماد المُتعاطي أو المُدمن عليها نفسياً وعضوياً. ففي البداية يكون متعاطياً، ثمَّ يتطوّر الأمر إلى حَد الإدمان”.
كما يقول الدكتور دغيم أنَّ أنواع مواد الإدمان تختلف في درجة تأثيرها على الجهاز العصبي للمُتعاطي أو المُدمن، وتتفرّع إلى ثلاثة أنواع: مهدئة، منشِّطة ومهلوسة.
ويتحدّث الدكتور دغيم عن الآثار العضوية للإدمان، بالقول: “تؤثِّر مواد الإدمان على الدماغ أولاً، فيتحوّل المُتعاطي إلى مدمن بعد فترة قصيرة. ثمَّ تؤدّي إلى اضطراب في وظائف الجسم، فتتدرَّج من فقدان السيطرة على حركة الأيدي والأرجل، إلى ضعف التركيز، فإلى الهلوسة. ومع الوقت، يُصاب المُدمِن بزيادة في معدل نبضات القلب وانقباض في الصدر وصُداع وتقلُّص في العضلات، وبرودة في الأطراف وتقلُّص في الأمعاء وجفاف في الفم… كما تؤدّي إلى الإنخفاض في ضغط الدم والعطش الشديد والطنين في الأذن والإحمرار في العينين وهزال الجسم. ويظهر على المُدمن الإسوداد حول العينين، بالإضافة إلى ضعف في القدرة الجنسية في حال التعاطي بكثرة”.
ويحذر دغيم من خطر الإدمان على الأدوية المُخدّرة كونها لا تقلّ ضرراً أحياناً عن الكوكايين والهيرويين. وازداد إدمان الأدوية، بسبب غياب الرقابة الفعلية عليها، سواء في المشافي، أو عبر انتشار الصيدليات غير المرخّصة، التي باتت تأخذ من بيع الأدوية المُخدّرة باباً للمنفعة الماديّة.
من جانبها، تقول المرشدة الإجتماعية فاتن السويد، لـِ حكايات سوريا: “يُعاني معظم المدمنين بالأصل، من حالات نفسية صعبة، منها الإكتئاب واليأس… فيلجأون للإدمان، ظناً منهم أنهم بهذه الطريقة، يهربون من واقعهم المرير”.
وتُشير المرشدة فاتن السويد إلى أنَّ ظاهرة الإدمان منتشرة في سوريا، كأي بلد آخر، من قبل اندلاع الثورة، حتّى بين الشريحة المتعلِّمة من الشباب، لكنَّها ازدادت بعد الثورة. وتقول: “لا نُريد أن نُعطي تبريرات، لكن فلنفهم الأسباب”. وترى أنَّ الرادع الديني والأخلاقي، هو الأساس في عدم إقدام الشخص على الإدمان… وبأنَّ المؤسسات الموجودة على أنواعها، تتشارك المسؤولية في مواجهة ظاهرة الإدمان.
رئيس المجلس المحلي في مدينة كفرنبل مصطفى علي الشيخ، يقول لـ حكايات سوريا: “تفتقر المناطق المحرَّرة لوجود مراكز لعلاج المدمنين… ومن جانب آخَر، فإنَّ معظم المدمنين على أنواع من الأدوية، لا يتم معرفتهم، وبالتالي، لو وجِدت مراكز متخصصة لعلاج الإدمان، فإنَّ مدمني الأدوية لا يمكن حصرهم”. ويضيف: “الحل يبدأ بالرقابة على الأدوية، وعبر ملاحقة المروّجين للمخدرات”.
أُم أحمد (54 عاماً) من مدينة كفرنبل تقول بحرقة لـ موقعنا: “إبني أحمد عمره 35 عاماً، يتعاطى المخدرات عن طريق الإبَر، التي يحصل عليها من إحدى الصيدليات”.
تُضيف أم أحمد أنَّ أحمد تزوّج ثلاث مرات. فزوجته الأولى كانت قد توفيت بقصف طائرات النظام، في العام 2013. وقد تمَّ سحب أحمد وزوجته من تحت الأنقاض.
وتقول: “هذا الأمر أثَّرَ على أحمد كثيراً، وقد تزوّج ثانيةً، وانفصل عن زوجته، ومن ثمَّ تزوّج مرة أُخرى… ويبدو أنهُ سينفصل عنها هي الأخرى، لأنهُ مُدمن”.
تبكي أم أحمد قائلةً: “أرى إبني يموت أمام عينَي من أثار الإدمان، ولا أستطيع أن أفعل له شيئاً”! وتسأل: “هل كان ينقصنا المخدرات والأدوية المُخدرّة، لتقضي على ما تبقّى من شبّاننا؟!”