“الإدارة الذاتية” في المناطق ذات الأغلبية الكردية تحضر للانتخابات
فيان محمد
(القامشلي، سوريا) – في شهر كانون الثاني/ يناير 2014 أعلن “حزب الاتحاد الديموقراطي” الإدارة الذاتية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، الواقعة تحت سيطرته في شمال وشمال شرقي سوريا، وحالياً تقوم المفوضية العليا للانتخابات في هذه المناطق بإعداد قانون لانتخابات المجلس التشريعي في هذه المنطقة. ومن المقرر أن تُنظم الانتخابات في آخر أيار/ مايو 2014.
وقسّم الحزب الكردي مناطق الإدارة الذاتية إلى ثلاث مقاطعات وهي الجزيرة، التي تضم مناطق من الحسكة والرقة ودير الزور، وكوباني (عين العرب) وعفرين في محافظة حلب، واتخذ من مدينة عامودا الواقعة في محافظة الحسكة عاصمة مؤقتة. وتسكن عامودا أغلبية كردية ويسيطر عليها “حزب الاتحاد الديموقراطي” بشكل كامل. و”حزب الاتحاد الديموقراطي” أقوى حزب كردي في سوريا ويُنظر إليه على أنه الفرع السوري من “حزب العمال الكردستاني” الكردي الناشط في تركيا.
وسبق إعلان الإدارة الذاتية تشكيل مجلس تشريعي من قبل “حزب الاتحاد الديموقراطي” يضم 100 عضو قاموا بصياغة “ميثاق العقد الاجتماعي” الذي يعتبر بمثابة الدستور للمقاطعات الثلاث. كما انتخب المجلس التشريعي مجلساً تنفيذياً للإدارة الذاتية يتألف من 22 وزارة، تضم وزارة الداخلية والدفاع. ويرأس المجلس التنفيذي رئيس الحكومة أكرم حسو، الذي يشرف على عمل الوزارات. كما عين المجلس التشريعي رئيساً لكل مقاطعة كردية.
جوان محمد الناطق الرسمي باسم رئاسة مجلس وزراء مقاطعة الجزيرة يصف المجلس التنفيذي بأنه يشمل أعضاء تكنوقراط تم التركيز فيه على الكفاءات ويضم ممثلي “حزب الاتحاد الديموقراطي” والأحزاب والشخصيات الموالية له مثل “حزب اليسار الكردي” و”الاتحاد السرياني” وشخصيات عربية. ويحظى كل من الكرد والعرب والسريان بثلث الأعضاء في المجلسين التنفيذي والتشريعي. ولا يستلم الأعضاء في المجلس التشريعي والمجلس التنفيذي حالياً رواتب ثابتة.
ويتابع الموظفون التابعون للحكومة في دمشق في مؤسسات كمديريات التربية والتعليم والصحة أو الزراعة عملهم في المقاطعات ذات الأغلبية الكردية التي أصبحت جزءاً من الإدارة الذاتية. فحسب قول رئيس المجلس التنفيذي أكرم حسو فإن الإدارة الذاتية “لا تستطيع تحمل أعباء دفع رواتبهم حالياً”.
وتقوم البلديات التي أسسها “حزب الاتحاد الديمقراطي” في كبرى المدن الكردية بأداء عمل المجالس المحلية في المقاطعات الى أن تنتهي وزارة الادارة المحلية من صياغة قانون عمل الوزارات. وسيتم انتخاب المجالس المحلية في انتخابات عامة وسرية بعد انتخابات المجلس التشريعي.
ومن أولى مبادرات المجلس التشريعي في آخر كانون الثاني/ يناير 2014 إصدار عفو عن المخالفات والجنح المرتكبة في المقاطعات الثلاث (الجزيرة، كوباني وعفرين) المرتكبة قبل تاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2013. والمقصود بالجنح والمخالفات أفعال غير قانونية تكون عقوبتها إما الحبس لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو غرامات مالية. ولا يشمل العفو جرائم قتل وقضايا فساد.
ووصف صالح كدو وزير خارجية منطقة الإدارة الذاتية لوسائل إعلام مبادرة العفو التي قام بها المجلس التشريعي بأنها تُوجِد نوعاً من الارتياح لدى المواطنين وذلك لأن هذا القرار نابع من “مبدأ خدمة المجتمع ويهدف إلى نشر جو من التفاؤل والديمقراطية”.
ويُعتبر تحسين الخدمات المعيشية من أكبر التحديات التي تواجهها المجالس المحلية في المقاطعات ووزارات الحكومة الكردية في مناطق الإدارة الذاتية. فسكان المدن في المناطق الكردية يعانون من نقص حاد في الطاقة الكهربائية. ويقول آلدار خليل عضو في الهيئة الإدارية في “حركة المجتمع الديمقراطي” وهي المظلة السياسية التي تضم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، إنه قد يتم التنسيق مع الحكومة في دمشق أو عقد اتفاقيات مع وزارة الكهرباء في تركيا من أجل توفير حصة من الطاقة الكهربائية للمناطق الكردية في سوريا. ولم تدخل هذه المخططات حيّز التطبيق بعد.
بعد مرور أكثر من شهرين على إعلان الإدارة الذاتية وتشكيل أول حكومة كردية ومجالس محلية في المقاطعات، ما زالت الإنجازات الملموسة متواضعة جداً. فقد تم فرز شرطة مرور كردية في الشوارع الرئيسية لبعض المدن الكبيرة في المناطق الكردية، مثل القامشلي. كما ألزم المجلس المحلي في القامشلي بإيعاز من وزارة حماية المستهلك أصحاب المحلات التجارية في سوق القامشلي بوضع تسعيرة على البضائع التي تعرض للبيع.
آراء الأكراد حول إعلان الإدارة الذاتية متباينة. علي، الذي فضل تغيير اسمه، مواطن كردي من القامشلي من مؤيدي الإدارة الذاتية، يقول: “لأول مرة أرى الأكراد يحتفلون ويرفعون أعلامهم من دون خوف وأنا مستعد للتضحية بكل شيء من أجل إنجاح هذه الإدارة.”
هناك الكثيرون في القامشلي من أمثال علي، الذين يعتبرون الإدارة الذاتية تجربة ناجحة لتطبيق اللامركزية والديموقراطية في سوريا. أما معارضو الإدارة الذاتية بشكلها الحالي فينتقدون هيمنة “حزب الاتحاد الديموقراطي” ومؤسساته على هذا المشروع ويقولون إن الحكومة الجديدة تقوم شكلياً بإدارة المناطق الكردية ولكنها لم تغيّر فيها شيئاً.
مها معلمة في مدرسة ابتدائية، فضلت تغيير اسمها، ترى أن الحكومة الكردية الجديدة لم تقم بمبادرات عملية على أرض الواقع. فأجهزة الحكومة الموالية لدمشق ما زالت موجودة وهناك موظفون يقبضون رواتبهم من النظام، وتضيف مها قائلة: “الأيام القادمة ستثبت إن كانت الحكومة الجديدة ستستطيع تأمين الخدمات المعيشية لسكان القامشلي. هل ستجعل السكان يستفيدون من اللامركزية ويستغنون عن الذهاب لمدينة الحسكة أو دمشق من أجل إخراج أوراقهم الثبوتية؟”