الأطفال في سورية ضحايا اليوم والمستقبل
عندما يهتف “مصطفى” إبن الاثني عشرة عاماً “يلعن روحك يا بشار” يردد وراءه عشرات الطلاب من مدرسته الواقعة وسط محافظة درعا، وتنظرإليه أمه مشجعة ومحثة على الإستمرار في الهتافات. علّق “مصطفى” صورة “حمزة الخطيب” في غرفته، الطفل الذي إعتقله وقتله رجال الأمن ويستذكر عشرات الطلاب الآخرين الذين تعذبوا في أقبية الأمن السياسي في فرع درعا وكانوا الشرارة في إنطلاق الثورة السورية. يتحدث عنهم بألم مردداً أقاويل الشباب الذين دخلوا إلى تلك المعتقلات، ويعبّر أيضاً عن قلقه من الخطر الذي تعيشه عائلته: “أبي وأولاد عمي باتوا في خطر حقيقي بسبب العصابات الأسدية”. في مناطق التوتر لم تعد الناس تفكر في منع أولادهم من الخروج إلى المظاهرات. تقول أم مصطفى: “يكفينا ما عشناه، وليحصل أولادنا على الحرية المنشودة!”
في مدينة “مصطفى” إعتقل رجال الأمن والمرتزقة التابعون لهم المئات من الرجال ليأخذونهم إلى مكان مجهول، وليعود هؤلاء الرجال بعد فترة وقد خطت ظهورهم آثار التعذيب، وتلونت جلودهم “بألوان الحرية” كما يسميها أبناء درعا.
أصبح “الأمن” أو “رجال الأمن” بالنسبة إلى الكثير من الأطفال مرادفاً للرعب. “عمر” ابن الخامسة يحاول أن يخوّف أمه فيقول لها: “الأمن في الشوارع تحت”. وكلما خرج إلى الشارع يسألها: “هل سيطلق الأمن علينا الرصاص؟”
“علا” بنت الثامنة من سكان سقبا تروي ما حصل مع الصيدلي الذي يدير صيدلية في الشارع الذي تسكنه حينما اقتحم رجال الأمن المدينة وخربوا الممتكلات: “دخلوا من أول الشارع وهم يصرخون (الله سورية بشار وبس)، كانوا كثيرين ومعهم سيارات خضراء. كانوا يكسرون كل سيارة واقفة على طرف الطريق، ويكسرون أغلال المحلات ليسرقوا منها، والله رأيتهم وهم يضربون الصيدلي ويسرقون أمواله، وبعد ذلك إعتقلوه وحطموا الصيدلية وكسروها تكسيراً”.
“علا” رأت ذلك من النافذة المساماة “مرآة” فهي تجعل ساكن المنزل يرى ما خارجه دون أن يُرى، ورغم ذلك قالت: “خفت أن يروني، أن يسمعوني، فخفضت رأسي ونظرت من طرف عيني”. كانت تبكي وتشير بيديها أين كانوا وماذا فعلوا وكيف كسروا كل ذلك، وكيف اعتقلوا عدداً كبيراً من الذكور صغاراً وكباراً وهم يضربونهم.
تصف الباحثة الإجتماعية “باسمة” عرابي الكثير من حالات الإضطراب النفسي التي يعاني منها الأطفال السوريون حالياً. فيعيشون في قلق دائم من الحاضر ومن المستقبل: “من الممكن أن يخلق هذا القلق الوسواس القهرية، وربما بعض حالات الهلع، وإضطرابات تحولية وإنشقاقية، ومحاولات إيذاء النفس، وإضطرابات الإخراج، والإرتباط في السنوات الأولى”. وتشير الباحثة أيضاً إلى إحتمال جنوح عدد أكبر من الأطفال الذين خبروا العقوبات الجسدية إلى سلوك عنفي بالإضافة إلى تردي أدائهم المدرسي.
مختص في علم نفس وأستاذ في جامعة دمشق (رفض البوح عن إسمه) يربط ربطاً مباشراً بين ما يفعله رجال الأمن في مختلف المناطق السورية ومخاطر الإنحراف المستقبلية لدى الأطفال: “الطفولة أهم مرحلة من مراحل حياة الإنسان، تعرض الطفل لتجارب مؤلمة يؤدي إلى إختلال ليصبح متهيئاً للإنحراف في أية مرحلة من مراحل حياته”. يصمت الدكتور للحظات ثم يتابع القول: “ما تفعله الأجهزة الأمنية هو إعتماد مبدأ العقوبة مما يؤدي مع الوقت إلى إفقادها فعاليتها، فيعتاد عليها المواطن السوري والطفل السوري، وقد يسير البعض مع الأمن، لكن الأغلبية العظمى وخاصة الأطفال ممن يرون أباءهم يقتلون أو يعذبون أو يضربون ستحفر هذه الأحداث في أذهانهم، ليكبروا وقد ملأتهم أحقاد كبيرة”.
في بداية ديسيمبر/كانون الأول تحدثت “نافي بيلاي” مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن 307 طفل قتلوا حتى الان منذ إندلاع الإحتجاجات في سورية في منتصف شهر آذار/مارس الماضي. كما أشارت “بيلاي” إلى وجود أدلة تثبت على وجود أطفال في عداد ضحايا التعذيب وإلى وقوعهم ضحايا العنف الجنسي في مراكز الإعتقال. المدير التنفيذي لليونيسف، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، أدان بشدة ممارسات أجهزة الأمن السورية بحق الأطفال في البلاد وحث الحكومة في دمشق على الإلتزام بتعهداتها بإحترام حقوق الطفل. ولم يصدر أي تصريح عن جهة حكومية سورية معنية بملف حقوق الطفل.