الأجهزة الأمنية في سوريا: استحالة الإصلاح ومخاوف الانتقام
السمعة السيئة التي اكتسبتها أجهزة المخابرات السورية على مدى العقود الماضية، والقصص التي لطالما سمعها السوريون عن أقبية فروع الأمن والتعذيب الذي يحصل فيها، اختبرها عشرات الآلاف بأنفسهم على مدى العامين الماضيين.
الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الأمن السورية خلال العامين الأخيرين، تثير توقعات بعمليات انتقام واسعة قد يتعرض لها المنتسبون إليها في حال سقط النظام السوري، كما حصل في الرقة عندما أعدم مسلحون من المعارضة عناصر من فرع “الأمن العسكري” في وقت سابق من الشهر الحالي. وتمتد التوقعات لتشمل مخاوف من امتداد عمليات الانتقام إلى الطائفة العلوية لكون أبناؤها يشكلون الجزء الأكبر من عناصر الأفرع الأمنية المختلفة وضباطها.
تتزامن هذه المخاوف مع تزايد تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي تتحدث أيضاً عن دور لمقاتلي المعارضة في انتهاك حقوق الموقوفين من أجهزة الأمن، وآخرها التقرير الصادر عن “منظمة العفو الدولية” هذا الشهر، الذي اتهم قوات المعارضة بأنها “تواصل احتجاز الرهائن، وتعرضهم لعمليات التعذيب، وأحيانا للقتل ويستوي في ذلك الجنود والمسلحون الموالون للحكومة وحتى المدنيّين.”
تطرح هذه المؤشرات تساؤلات عن إمكانية إصلاح الأجهزة الأمنية في المستقبل، حتى يتم القضاء على القمع الذي تمارسه الأجهزة الحالية التابعة للنظام، مع الحرص على ألا يتم تكريس انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها مقاتلو المعارضة، في حال أصبحوا عناصر في المؤسسات الأمنية الرسمية.
يرى الناشط المعارض والخبير في الإدارة العامة زيدون الزعبي، أن إصلاح الأجهزة الأمنية يتم عبر إعادة هيكلة تهدف إلى تفكيك الشبكات الأمنية الحالية، وذلك عبر “إقالة القادة المتورطين ونقل الآخرين إلى الجيش واستبدالهم بقادة ذوي حس وطني بالتزامن مع حركة واسعة لنقل العناصر لإبعاد المعارف عن بعضهم وإضافة عناصر من الجيش” إلى الأجهزة الأمنية.
ويؤكد الزعبي، الذي تعرض شخصياً للاعتقال في السابق، على ضرورة “إعادة هيكلة وزارة الداخلية” بحيث تسيطر على كافة الأجهزة الأمنية وتساهم بشكل كبير في تعيين قادتها بداية وثم تتجه إلى الإشراف على تعيين كامل أعضائها لاحقاً.
وتتألف أجهزة الأمن والمخابرات السورية من أربعة فروع مختلفة ومستقلة عن بعضها البعض، وهي: أمن الدولة أو المخابرات العامة، والأمن السياسي، والأمن العسكري، والمخابرات الجوية، وتتفرع بدورها إلى عدة شُعَب يقدر عددها بنحو 17.
بعض الناشطين ممن تعرض للتعذيب على أيدي قوات الأمن لا يثق بإمكانية تحسين الأجهزة الموجودة حالياً.
قضى محمود نحو عشرة أشهر في المعتقل، كان أكثر من نصفها في زنزانة انفرادية، وتعرض للضرب كما منعت عنه الزيارة وإجراء أي اتصال بالعالم الخارجي وحتى رؤية الشمس، كما لم يسمح له بالاستحمام، ما أدى إلى تفشي أمراض جلدية في جسمه، ولم يسمح له برؤية طبيب. ويصف وضعه بأنه كان “ممتازا” مقارنة بما شاهده من تعذيب منهجي لمعتقلين آخرين سبب وفاة بعضهم أو عاهات دائمة لدى البعض الآخر.
“الأجهزة الأمنية في سوريا غير قابلة للإصلاح نهائياً لأن المنتسبين لها بأغلبيتهم الساحقة… لا يعرفون سوى الولاء لشخص القائد وليس الولاء للوطن،” يقول محمود (31 عاماً)، الذي تعرض للاعتقال مرتين من قبل كل من الفرعين 215 و248 التابعين للأمن العسكري.
وقد نظمت شخصيات سياسية معارضة ورشة عمل بعنوان “إصلاح الأجهزة الأمنية“، عقدت في إسطنبول بتركيا ضمن مؤتمر “إدارة المرحلة الانتقالية في سورية” شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وشارك فيها ضباط منشقون عن جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية.
وخلصت الورشة إلى أن المرحلة الانتقالية يجب أن تشمل “حل جميع الأجهزة الأمنية، والطلب من ضباط المخابرات وصف الضباط والعناصر المنشقين وضع اليد على قاعدة البيانات والسجلات والقيود المتوفرة في كل نقطة أمنية، والعمل على إحالة المتورطين… من عناصر الأمن إلى القضاء العادل والعمل على تشكيل إدارة الأمن الوطني كبديل للأجهزة الأمنية السابقة”.
ويشير التقرير الخاص بالورشة إلى أن إجراءات بناء الثقة في المرحلة الانتقالية تتطلب “منع الثوار من عمليات الانتقام والثأر من مرتكبي المجازر والقتل وإحالتهم إلى المحاكم المختصة ومنع الاقتتال الطائفي والمذهبي”، إلا أن التقرير لا يوضح السبيل إلى تطبيق هذه النقاط، خصوصاً أنه يقر وجود تحديات تشمل احتمال “ظهور ميليشيات خاصة يصعب السيطرة عليها ورفضها الانضمام للحكومة الانتقالية.”
يقلل آفاق أحمد، وهو منشق عن فرع “المخابرات الجوية” عمل معاوناً لرئيس قسم العمليات الخاصة في هذا الفرع، من خطورة ظهور ميليشيات خاصة بعد سقوط النظام الحالي، ويوضح أن هذه الميليشيات “ستجد نفسها محاصرة ولا تستطيع فرض نفسها” إذا ما تم قطع الدعم عنها من الخارج.
ويشدد أحمد على ضرورة محاسبة جميع من ارتكب انتهاكات لحقوق الأنسان، بما في ذلك أفراد “الجيش الحر”، مضيفاً أن على الإعلام أن يلعب دوراً “جوهرياً” من خلال “نشر ثقافة العيش المشترك وقبول الآخر والصفح عن ما مضى.”
يقول محمود إنه لا يسعى للانتقام من كافة سجانّيه أو الأفراد الآخرين من الأجهزة الأمنية، ويشدد على عدم معاقبة إلا من ارتكب منهم جرماً. الأجهزة الأمنية الجديدة، بحسب محمود، يجب أن تحمي حقوق السوريين، حيث على أفرادها الإدراك “أن أمن الوطن هو من أمن المواطن.”