اقتصاد السياسة
عندما تسيطر الأوضاع السياسية على الاقتصادية، يقف التاجر السوري متأملاً لما يحصل معه في هذه الأيام. فالسوق لا تشجع على العمل والوضع الاقتصادي غير مستقر.
فمع التصريحات الرنانة للمسؤول السوري وإظهاره بالأب الرؤوم الذي يحّل الكثير من المشاكل تبرز مشكلة تراكم رؤوس الأموال المجمدة والتي لا تتحرك إلى ما هو أساسي، بل وجدت سبيلها إلى خارج سورية في الشهور الثلاث الأخيرة وبنسبة الـ 8 % من احتياطي البنوك وفقاً لبعض الاقتصاديين العاملين في البنوك .
النظام السياسي الحالي يقف حائراً أمام حزمة من الاقتراحات يجد أنه يجب أن يصدرها بعد الانقلاب الاقتصادي الذي قادته حكومة العطري في السنوات السبع الماضية. تصطدم الحكومة الحالية ونظام البعث بجدار عدم استطاعتها الرجوع إلى ما قبل الاقتصاد الذي اسمته حكومة العطري باسم “الاقتصاد السوري الاجتماعي”. يترافق ذلك أيضاً مع ارتفاع أرقام الفقر لتصل إلى 35 % من نسبة عدد السكان، وزيادة البطالة بين الشباب السوري وطالبي العمل لأكثر من 30 %، حسب بيانات من تقييم الخطة الخمسية العاشرة.
الحل كخطوة أولى كما اقترحته الحكومة الجديدة من خلال وزاراتها المتعددة بتوفير 100 ألف فرصة عمل وزيادة الرواتب والاجور للموظفين في القطاع العام، تصطدم بنقص السيولة التي إشار إليها المصرف المركزي، مع نقص العمل الحقيقي للداخلين الجدد في الوزارات التي فتحت أبوابها لكافة طلبات العمل، لتفشل حكومة عادل سفر أيضاً أمام مشكلة البطالة المقنعة التي حاولت حكومات سابقة التخلص منها.
لم تقف معدلات الفقر والبطالة فقط عوائق أمام حكومة سفر. فمعدلات النمو انخفضت من 5 % إلى 3% في الأشهر الستة الاخيرة، يضاف إلى ذلك المشكلات الزراعية والصناعية والتجارية التي ظهرت على الساحة الاقتصادية. وتحاول حكومة سفر حاليا استيعاب كافة الأطراف، لتجد نفسها وجه لوجه أمام مشكلة أخرى وهو هبوط سعر الليرة السورية خلال الشهرين الماضين لأكثر من 17 % من سعرها بالنسبة للدولار الذي دأب المصرف المركزي على تثبيته خلال السنوات الماضية بناء على سلة العملات التي اعتمدها خلال الفترة الماضية، وليجد التضخم سبيلاً للارتفاع مع عدم اعتراف الجهات الرسمية بكل ذلك.
هذه الأيام نجد عشرات المسيرات من جهة ومئات من المظاهرات من جهة أخرى، التي أدت إلى تعطيل الحركة الاقتصادية في سورية. هناك انخفاض ملحوظ لأرقام الاستيراد والتصدير في الأشهر الستة الأخيرة، ومع تواضع دخول السياح والتشديد الأمني عليهم. وأظهرت مؤشرات البورصة السورية، التي عدها البعض مرآة للاقتصادي السوري، انخفاضاً ملحوظاً في حركة الأسهم للشركات المدرجة نتيجة انسحاب عدد كبير من المساهمين من عملية التداول، إضافة إلى ابتعاد كبار المساهمين من دائرة التدخل المباشر لتعديل أرقام المؤشرات. فيجد الاقتصادي السوري نفسه أمام ضبابية واضحة أو تشويه للصورة السورية في العمل الاقتصادي التي تأثرت كثيراً بالعملية السياسية والعسكرية التي شنها النظام السوري على ما يدعيه أنهم مخربون ومسلحون.
حدة التذمر لم تختلف بين دمشق وحلب. في المحافظة الشمالية ارتفعت أصوات عدد من الصناعيين لتشتكي من نقص المحروقات نتيجة قطع الطرقات من قبل الجيش من جهة والأهالي الثائرين على صمت أهالي حلب من جهة ثانية، مما دفع عدد كبير من محطات الوقود إلى بيع مادتي المازوت والبنزين بأضعاف أثمانهما. وهناك شح هذه المادة في الوقت الحالي نتيجة لاستهلاك الجيش السوري كميات كبيرة من المحروقات، دون مراعاة لحاجة السوق.
النظام لن يسقط بالتظاهرات الشعبية التي تخرج يومياً. فقد أكدت جميع الأقوال أن الاقتصاد سيسقطه إن استمرت الأزمة شهرا آخر، أو شهرين. بين توقعات الخبراء وثبات النظام، يبقى المواطن السوري منتظراً رغيف يومه ليعيش بعيداً عن الصراعات السياسية والاقتصادية التي تطحنه في الوقت الحالي، وليتحول مع الوقت إلى حجر رحى قد يطحن من يقترب من قوت يومه.