استهداف المدارس في ريف إدلب يثير خوف الأهالي على أبنائهم

أحمد العكلة

“نحن في حيرة من أمرنا.. ليس أمامنا خيار ثالث، مستقبل اطفالنا يضيع امام اعيننا، ولكن بنفس الوقت هناك عشرات الأطفال قتلوا وأصيبوا بقصف المدارس”

“(ريف إدلب- سوريا) تراقب أم محمد (40عاماً) بحذر الطائرة الحربية التي تحلّق في سماء بلدات المنطقة، ، تتذكر ابنها وابنتها اللذين يدرسان في إحدى مدارس بلدة حاس، تخشى عليهما من صواريخ تلك الطائرة . سبق أن استهدفت الطائرات الحربية مدارس ريف إدلب،  ولحسن حظ الطلاب  كان يوم عطلة. تقول أم محمد: “هذه المرة ستحصل مجزرة إن قصفت الطائرة المدرسة لا سمح الله.. لا سمح

نشاطات ترفيهية في مدرسة الرعاية الإنسانية في حاس من صفحة جمعية نماء سوريا على فايس بوك
نشاطات ترفيهية في مدرسة الرعاية الإنسانية في حاس من صفحة جمعية نماء سوريا على فايس بوك

الله”.

مع دخول العام الدراسي شهره الأول، شنت الطائرات الحربية التابعة لنظام الرئيس بشار الاسد عدة غارات على قرى وبلدات ومدن ريف إدلب الجنوبي. ولم تسلم من الغارات المدرسة الثانوية والمدرسة الإعدادية وروضة الأطفال في بلدة حاس، كما استهدفت الطائرات الحربية المدرسة الثانوية في مدينة كفرنبل بحجة وجود مسلحين فيها، إضافة إلى موقع بالقرب من إحدى المدارس في بلدة كفرومة ما أدى لوقوع العديد من الاصابات.

عدم توقف القصف على بلدات ريف إدلب أدى الى هجر الطلاب لمقاعد الدراسة لمدة عامين. الأمر الذي اثر على مستواهم الدراسي. بعد تحرير المنطقة من قبل المعارضة المسلحة، والسيطرة على الحواجز العسكرية. توقف القصف بنسبة كبيرة. أعادت المدارس فتح أبوابها إلّا أن اهالي الطلاب باتوا بين نارين، إما أن يرسلوا ابناءهم الى المدارس ويخشون من قصف الطائرات، أو يبقونهم بدون دراسة مما سيؤدي إلى انخفاض مستواهم التعليمي .

تقول أم فؤاد  (42 عاما): “نحن في حيرة من أمرنا.. ليس أمامنا خيار ثالث، مستقبل اطفالنا يضيع أمام أعيننا، ولكن بنفس الوقت هناك عشرات الاطفال قتلوا وأصيبوا بقصف المدارس، قررنا ان نرسلهم رغم الخطر كي نضمن مستقبلهم في وطن دمرته هذه الحرب”.

أبو ياسر (51عاماً) يعمل في مواد البناء قرر إرسال ابنه مع زوجته الى مخيمات اللجوء من أجل أن يتعلم في المدارس التي تم انشاؤها من قبل منظمات المجتمع المدني، يقول أبو ياسر:” لا أستطيع أن أرى الطائرة في السماء وطفلي في المدرسة،  ثمة خوف يمنعني من إرساله، لم يكن لدي خيار سوى إرساله مع أمه إلى المخيم من أجل أن يتعلم هو وإخوته في المدارس التي تعتبر أكثر أمنا”.

في ظل أجواء الخوف على سلامة الطلاب ومستقبلهم بادرت جمعية “نماء سوريا الخيرية” إلى بناء مدرسة “الرعاية الإنسانية” بالتعاون مع منظمة “هيومان كير سيريا“. وتستقبل المدرسة الطلاب من الصف الأول حتى السادس الابتدائي. تتألف من طابقين، أحدهما تحت الارض من أجل ان ينعم الطلاب بشيء من الأمان النسبي، وتضم عدداً من المعلمين أصحاب الخبرة المفصولين من عملهم في المدارس التابعة لوزارة التربية في دمشق.

تقول فاطمة (34عاما) : “قررت إرسال طفلي الى مدرسة الرعاية الانسانية لأنها مبنية تحت سطح الأرض، حيث لا يؤثر بها قصف الطائرات كثيرا وحتى الآن لم يتم استهدافها مقارنة بالمدارس الحكومية, وكذلك يوجد بها الكثير من المعلمين ذوي الخبرة في التدريس”. وتتمنى فاطمة ان يتم فتح مدارس جديدة مشابهة لكافة المراحل. وتقول “في حال كانت المدارس الحكومية التي يتم قصفها هي الخيار الوحيد لما كنت أرسلت أبنائي إليها لأن جهلهم أفضل من موتهم”.

عبد الله العيدو (39عاماً) مدير مدرسة “الرعاية الانسانية” يقول : “بعد تزايد القصف على المدارس الحكومية وبقاء عشرات الطلاب في منازلهم دون تعليم لخوف أهاليهعلى حياتهم، قررت جمعية “الرعاية الانسانية” افتتاح مدرسة في بلدة حاس، من أجل استيعاب طلاب القرية والقرى المجاورة، وكذلك الطلاب النازحين مع أهاليهم من ريف حماه، والان نصاب المدرسة اكتمل ولم نعد نستطيع استقبال أي طالب وبنفس الوقت استطعنا إيجاد مدارس بديلة أكثر أمنا نوعا ما من المدارس الحكومية التي تتعرض للقصف الدائم”.

مدرسة “الرعاية الانسانية” استقبلت مئات الطلاب من بلدة حاس وقرى مجاورة، حتى اصبحت عاجزة عن استقبال طلاب جدد، ويعود الاقبال الكثيف عليها نظراً لوجود كادر تعليمي جيد، بالإضافة لأنها أقل خطورة من المدارس الحكومية ويتم فيها تسليم الطلاب حقائب ودفاتر وأقلام مجانية وكذلك لباس مدرسي، ويوجد فيها أدوات تعليمية حديثة ورسومات على الجدران وألعاب، من أجل رسم الفرحة على وجوه الطلاب بعد سنتين من غيابهم.

عضو المكتب التربوي في جمعية “الرعاية الانسانية” عبادة المنصور(25عاماً) يقول:” بعد كثرة القصف على المناطق المجاورة والنزوح لم تعد تكفي المدرسة لاستيعاب الجميع، فقمنا باستحداث عدة شعب جديدة”

يضيف المنصور: “هدفنا المستقبلي بناء مدارس لطلاب المرحلة الثانوية، الذين قدموا امتحانات عند الائتلاف الوطني، ولم يستطع الى الان إحداث ثانويات خاصة لهم، كنا بصدد القيام بهذا المشروع هذا العام، ولكن عدم وجود المكان منعنا من ذلك، ولكن هذا لن يمنعنا من بنائها”.

المجلس المحلي في بلدة حاس كان قد تكفل بإعادة ترميم الأضرار الناجمة عن القصف الذي استهدف المدارس، نائب رئيس المجلس المحلي في البلدة صبحي العمر (38عاماً) يقول لـ”دماسكوس بيورو”: “لو كان لدينا قدرة مادية لخصصنا حافلات لإخلاء الطلاب من المدارس في حالات الطوارئ. وضع الطلاب في هذه المدارس أمر خطر بسبب تعمد النظام قصفها، ولذلك نناشد المنظمات الانسانية والائتلاف الوطني ببناء مدارس تابعة لهم، تحد من خطورة قصف الطائرات” .

ويضيف العمر: “طلبنا من مدراء المدارس الحكومية إبقاء الطلاب في صفوفهم وعدم صرفهم اثناء وجود الطائرات في السماء او سقوط قذائف على البلدة، لان انتشارهم سيؤدي إلى اصابة الكثير منهم وكذلك ناشدنا الاهالي بعدم إرسال أبنائهم الى المدارس، اثناء اندلاع المعارك”.

عبد الله (15عاماً) يعبر عن خوفه من مجيء الطائرة حين يكونون في المدرسة، ويتمنى الا تقصفهم مرة أخرى يقول عبد الله: “حين تأتي الطائرة الحربية كل الطلاب يخشون ان تقصف المدرسة، رأينا في التلفاز مشاهد كثيرة لقصف الطائرات للمدارس، أتمنى ان يكون القصف السابق هو الأخير فالمدارس ليس لها علاقة بالحرب”.