ازدهار زراعة الفطر في مناطق المعارضة
تعبئة التبن مع بذار الفطر في أكياس من النايلون تصوير سونيا العلي
"الفطر من المشاريع ذات الدورات الإنتاجية القصيرة التي تؤمّن الغذاء والمدخول لكثير من العائلات بأقلِّ جهدٍ خلال فترةٍ زمنية قصيرة"
يعبّر أبو راشد عن فرحةٍ كبيرة، وهو يشاهد محصوله الأول من مادة الفطر الذي زرعه بيديه في منزله… ويأمل أن يؤمّن من خلاله مورداً مالياً يُحسّن به وضعه المعيشي الصعب.
بدأ الاهتمام مؤخراً بزراعة الفطر في مناطق المعارضة، بفضل الدعم الذي تقدمه الجمعية السورية للفطر لمواجهة الضائقة الاقتصادية التي يعيشها المواطن في ظل الحرب. وعلى اعتبار أن الفطر من المشاريع ذات الدورات الإنتاجية القصيرة التي تؤمّن الغذاء والمدخول لكثير من العائلات بأقلِّ جهدٍ خلال فترةٍ زمنية قصيرة…
مدير الجمعية السورية للفطر مصطفى الإسماعيل (44 عاماً) يقول: “جمعيتنا مستقلة غير ربحية، تساعد على زيادة فرص العمل بإقامة مشاريع زراعية صغيرة، كما تعمل على دعم المستفيدين بمستلزمات الإنتاج والتسويق. وتضمُّ حوالي 350 منتسباً من بينهم مهندسين ومهندسات زراعيين. وتهدفُ الجمعية من خلال مشاريعها إلى تشجيع العائلات الفقيرة والنازحين الذين لا يملكون أراضٍ للقيام بمشاريع زراعية خاصة، فنسعى بذلك للمشاركة في فك الحصار الغذائي عن المناطق المحاصرة”.
ويُضيف الإسماعيل: “قامت الجمعية بالتواصل مع الأهالي عن طريق المجالس المحلية، وتمَّ تشكيل عشرة فرق من الفنيين الزراعيين، ليساهموا بتحقيق أهداف الجمعية، بحيث يشمل عملها كافة المناطق المحرّرة وخاصة المحاصرة. وتقوم هذه الفرق بدورات تدريبية لنشر ثقافة إنتاج الفطر، إضافةً لتأمين البذار بأسعار مدعومة، وتسويق المنتج والإشراف المجاني على المشاريع”.
يلفت الإسماعيل إلى أنّ الجمعية تعمل على زراعة نوعين مهمّين من الفطر كخطوة أولى، هما الفطر الأبيض والفطر المُحاري الصدفي نظراً لسهولة إنتاجهما وتوافر مستلزمات زراعتهما.
أمّا بالنسبة للشروط اللازمة لنجاح زراعة الفطر، فيؤكّد الإسماعيل بأنه يمكن زراعته في كل شهور السنة، ما عدا أوقات الحر أو البرد الشديدين… كما تحتاج زراعته، لغرفة مغلقة أو قبو أو مغارة لأنّ الفطر يتطلب رطوبة وظلام خلال فترة التحضين، ثمَّ إضاءة وتهوئة في المرحلة التالية من إنتاجه.
وعن الصعوبات التي تواجه عمل الجمعية السورية للفطر، يقول مصطفى الإسماعيل: “نعاني من صعوبة في تأمين بذار الفطر من الدول المجاورة، لذا نحتاج لدعم مادي يمكّننا من إنشاء مخبر لإنتاج البذار… كما نحتاج لإنشاء معملٍ لتعليب فائض الفطر لكونه مادة يجب أن تبقى طازجة، ومن هنا يمكننا القول أننا تحتاج أيضاً لسرعة في التسويق المحلي وذلك يتطلب رفع وعي الأسر أكثر بإدخال مادة الفطر الغنية بالفوائد إلى أطعمتها”.
خالد غنيمة (35 عاماً) أحد العاملين في الجمعية السورية للفطر، يحدّثنا عن آلية زراعة الفطر بالقول: “نقوم بدايةً بنقع مادة التبن بماء بارد لمدة ثلاثة أيام ثم نغليه بماء النقيع لمدة نصف ساعة لتعقيمه. ننتظره ليبرد ثم نصفّيه وبعد ذلك نفرد التبن على الطاولة ونرش عليه كمية قليلة من مادة الكلس أو الجبس، ثم نخلط بذار الفطر بحيث نحتاج لكل 10 كيلوغرام من التبن إلى 15 ملعقة من البذار… ثم نبدأ بتعبئة المزيج في أكياس من النايلون المقاوم والمتين، بعد ربط كل كيس من جهة الأعلى ونثقبه عدة ثقوب ليخرج منها الفطر، ونضع الأكياس في مكانٍ مظلم ورطب. ونقوم كل يوم برشها بالمياه، وبعد حوالي شهر ونصف نقطف ثمار الفطر”.
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أسرة أبي جهاد (49 عاماً) النازحة من ريف حلب الشمالي إلى قرية التح في ريف إدلب، والتي تعاني من الفقر وتشكو من الإرتفاع في أسعار الاحتياجات الضرورية… كان التوجه نحو زراعة الفطر حلاً لتخفيف الأعباء المعيشية عنهم.
ويقول أبو جهاد: “كان مشروع زراعة الفطر في منزلي صغيراً لكنهُ ناجح. استطعتُ من خلاله أن أستفيد من مساحاتٍ في منزلي، لم نكن نستحدمها… كما أمَّنَ لي مصدراً مالياً إضافياً يساعدنا في حياتنا الصعبة حيث أنّ زراعة الفطر لم تعد حكراً على أصحاب الخبرة والاختصاص في مجال الزراعة”.
عبد الإله التناري (33 عاماً) من مدينة معرة النعمان، يعمل في بيع الخضار في سوق المدينة، يحدّثنا عن بيع الفطر بالقول: “يتراوح سعر الكيلو الواحد من الفطر بين 1200 و2000 ليرة سورية. وصارَ الفطر يلقى رواجاً وإقبالاً جيداً بين الأهالي، لكونه يضاهي اللحوم بمذاقه الطيب ولوجود البروتين فيه، ويُعَد مُنتجاً نظيفاً وآمناً من المبيدات والهرمونات”.
قامت الجمعية بدورة نظرية ومن ثمّ بتطبيق عملي عن كيفية زراعة الفطر في بلدة كللي في ريف إدلب. وكانت الدورة خاصة بأسر الشهداء في البلدة، بحضور متدربات من زوجات وأمهات الشهداء لتأمين فرص عمل مناسبة لهن، حيث قام كل من المدرّبين والمستفيدات بعملية الزراعة بكافة مراحلها لنشر ثقافة الاعتماد على الذات وضمان تأمين دخل مناسب لهذه العوائل المحتاجة.
أصبح الفطر يزيّن موائد أم أحمد (39 عاماً) وهي سيدة زوجها متوفي، بديلاً عن اللحمة، التي ارتفع ثمنها، بحيث لم يعد الفقراء لديهم القدرة على شرائها… إنما الفطر أرخص سعراً، ويشكّل غذاءً صحياً مفيداً نظراً لغناه بالبروتين النباتي والمعادن والفيتامينات.
تتحدّث أم أحمد لحكايات سوريا قائلةً: “بعد انتهاء الدورة التدريبية التي شاركتُ فيها مع الجمعية السورية للفطر، كنتُ مصرّة على تنفيذ التجربة داخل المنزل، فكان العائد إنتاجاً جيداً خلال فترةٍ قصيرة. استطعتُ مع الفطر، أن أتحوّل من الإستخدام الشخصي إلى البيع في السوق المحلي، حيثُ وجدتُ في هذا العمل مشروعاً أعاد إلينا الأمل بالحياة، كونه يعزّز الأمن الغذائي لتفادي تداعيات الفقر والجوع، ويساعدنا في تخفيف وطأة الحرب”.