ابني المريض تزوج!

امرأة تتسوق الخضار وتحمل أكياس الخضار كغيرها من النساء السوريات بدلا من الرجل كون زوجها اما شهيدا او في عمله ليؤمن قوت عياله - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

امرأة تتسوق الخضار وتحمل أكياس الخضار كغيرها من النساء السوريات بدلا من الرجل كون زوجها اما شهيدا او في عمله ليؤمن قوت عياله - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

"كنتُ أعيش حياةً سعيدةً في منزلي... في أرضي وقريتي... لكنَّ أيام الثورة هي التي جعلتني وغيري نُعاني الكثير، فلا بيت يأوينا ولا عمل نجني منهُ قوتَ يومنا، ولا حتى راحة نفسية تُنسينا ما مرَّ بنا!"

هلا العبدالله

بعد أن مات زوجي، بقيتُ أنا وأولادي نعيش دون بيت يأوينا. كنا قد تركنا قرانا واحتلّ جيش الأسد منازلنا… حتى استأجرنا منزلاً في بلدة معرة حرمة في ريف إدلب…

ابني الكبير مُصاب بمرض السكّري، كنتُ قد تقدّمت لخطبة الكثير من الفتيات لهُ، لكن لم تقبل إحداهن بسبب مرضه! ورغم ذلك لم يملّ ولم يكلّ بل ظلَّ يبحث، حتى وجد رفيقة دربه. فتاة في ريعان شبابها أحبّتهُ وقبلت به زوجاً لها، رغم أنه مريض وفقير ونازح ولا يملك شيئاً سوى روحه التي بين جنباته!

قرَّرا الزواج، لكن أين سيسكنان فمنزلنا الذي استأجرناه عبارة عن غرفة ومنافعها… بحثا طويلاً في البلدة عن غرفة للإيجار، لكنّ الأسعار كانت باهظة وابني يعمل في مركز طبّي ومرتّبه الشهري لا يكفي لتحمُّل كل تلك الأعباء! وفي آن، كان يخشى من أن تتراجع الفتاة عن قرار الارتباط به بسبب مرضه، لذا كانَ يريد الاستعجال بحفل الزفاف!

ذهب ابني محمد إلى أخته حليمة التي تسكن في منزل كبير دون أن يأخذ صاحب المنزل منها الأُجرة، لكنه بيت قديم ومنهار بشكل جزئي من شدة القصف، ويفتقر لأدنى شروط الحياة. فهو بلا نوافذ أو أبواب ومتصدّع من كل جوانبه.

طلب محمد من أخته حليمة أن تسمح بانتقالي أنا وأولادي للعيش في منزلها، إلى أن نجد منزلاً للإيجار، وفي المقابل أن يعيش وعروسه في الغرفة التي كنا قد استأجرناها. وفعلاً وافقت حليمة بكل سرور. وبعد أن نقلتُ أغراضي الى منزلها بأيام تزوّج محمد من عروسه وعاشا في الغرفة التي كانت تأوينا.

بقيتُ أنا وأولادي نعاني من صعوبة العيش في منزل حليمة، وها قد بدأ فصل الشتاء ببرده وقسوته… كانت الرياح تدخل من كل جانب، والبرد يتسلّل إلينا رغم كل المحاولات لأن نقي أنفسنا من البرد! الآن الواقع لا مفرَّ منهُ، رغم وضع العوازل والبطّانيات على الأبواب والنوافذ، ورغم مدفأة الحطب… البردُ لا يرحم…

صرتُ أدعو الله أن تمضي تلك الشهور سريعةً وأن ينتهي فصل الشتاء… وعندما نفذَ الحطب من عندنا، بدأتُ أستعين بأكياس النايلون وبقايا المهملات كي نتدفأ عليها أنا وأبنائي…كنتُ أبكي كثيراً حالمةً بغدٍ أفضل بعد ما حلَّ بنا من تشرُّد ونزوح وظلم، لكن أُواسي نفسي بالقول أنَّ حالي كحال الكثيرين من النازحين في الداخل السوري…

كنتُ قد بدأتُ أعيشُ حياةً بلا حياة، كل الذي نعيشه فقط كي تمضي الأيام وتنتهي رحلة العمر… أستفيقُ في الصباح أنظرُ إلى السماء، وأنامُ في المساء لأنتظرَ الصباح… لا يوجد شي أنتظره سوى الموت، ليأتي الموت ويحمل معه آلاماً لا تنتنهي لمن حولنا…

في كلَّ مرة كنت أطلبُ فيها المال من أهلي وإخوتي، يُصيبني شعورٌ غريب، فأنا لم أعتد على طلب المال من أحد! كنتُ أعيش حياةً سعيدةً في منزلي… في أرضي وقريتي… لكنَّ أيام الثورة هي التي جعلتني وغيري نُعاني الكثير، فلا بيت يأوينا ولا عمل نجني منهُ قوتَ يومنا، ولا حتى راحة نفسية تُنسينا ما مرَّ بنا!

بقيتُ في منزل ابنتي البائس حوالي الستة أشهر، وبعدها وجدنا منزلاً يقينا حرَّ الصيف وبرد الشتاء وهو منزل صغير وإيجاره ليس بباهظ… وللحقيقة، فأينما رحلت وأينما سكنت طالما أني لستُ في أرضي ومنزلي الذي هو ملكي، لن أكون مرتاحه في منازل الآخَرين…

أملي أن أعود إلى منزلي الأصلي، فكل ما أحلم به هو كرامة سُلِبَت منّي وعزّة نفس لم أعد أمتلكُها… أملي أن أتحرّر من ذُلٍّ يُلازمني… لكنَّ الشيء المضيء في كل الحكاية، أنَّ ابني المريض قد تزوَّج!

هلا العبدالله (48 عاماً)، متزوجة ولديها سبعة أولاد. من قرية حزارين في جبل الزاوية، كانت تُقيم في ريف حماة، وتُقيمُ حالياً في معرّة حرمة.