إعفاء المجنسين الأكراد من الخدمة الإلزامية

حاول النظام السوري طيلة أشهر الثورة والحراك السلمي في الشارع السوري جذب الأقليات إلى طرفه، محاولاً كسب ثقتها والإيحاء لها بأن مستقبلها مرتبط ببقائه. وكان للأكراد السوريين نصيب الأسد من هذه المغازلات. فقد قام النظام بإعادة الجنسية في بدايات الثورة للأكراد المجردين منها منذ ما يقارب النصف قرن. ولكن لم تفلح السلطة عبر هذا القرار في كسب ودّ الأكراد، فالمظاهرات ظلت مستمرة في مناطقهم. ومن جهة أخرى ظل قرار إعادة الجنسية دون وضوح حيثياته موضوع قلق لدى الكثير من الأكراد، خاصةً الخوف من الالتحاق بالخدمة الإلزامية في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد. وقد أبقى النظام هذه النقطة معلقة دون الكشف عنها. وظهرت في الآونة الأخيرة إشاعات بأن المجنسين الأكراد الذين لا تتجاوز أعمارهم 42 سنة سُيلزمون بأداء الخدمة الإلزامية. واستنكر الأكراد في تظاهراتهم هذه الإشاعات ورفعوا لافتات معربين عن سخطهم وهددوا بعدم الإلتحاق بخدمة العلم في حال طرحه. كما أنهم بدأوا يطالبون بتعويضات عن خمسين سنة من التجريد وعن أراضيهم التي انتزعت منهم ووزعت على عشائر الغمر. وإعتصم شباب في عدة مناطق مثل المالكية والدرباسية وعامودا أمام مديريات مناطقهم ونواحيهم.

 ولكن من الظاهر أن السلطة قررت اتخاذ خطوة أخرى لكسب ود الأكراد. فأصدرت في منتصف كانون الأول/ديسيمبر 2011 مرسوماً مكملاً يعفي المجنسين الأكراد الذين أتموا العشرين سنة وما فوق من الخدمة الإلزامية. كما تضمن المرسوم بنداً ينص على أن  مواليد 1993 وما فوق سيخدم في العسكرية، مع إعطاء سنة تأجيل لهؤلاء، أي أن المكلفين بالخدمة سيذهبون اعتباراً من العام القادم.

وكانت ردود فعل الأكراد المجنسين إيجابية واعتبر الكثيرون أن هذا الإعفاء حق مشروع. يقول الطبيب جوان الذي يبلغ 29 سنة من عمره بأن قرار الإعفاء من الخدمة الإلزامية هو حق طبيعي من حقوق الأكراد: “في المرحلة الجامعية التحقت بكل المعسكرات التي من المفروض أن تحتسب ضمن الخدمة الإلزامية ولا ذنب لنا أننا خلقنا مجردين من الجنسية بل كانت غلطة النظام الذي لم يعاملنا يوماً ما كباقي مكونات المجتمع. فلو كنا مواطنين منذ الولادة لكنا التحقنا بالخدمة الإلزامية. أما ما تلقيناه من ظلم في القوانين وحرماننا من العديد من مميزات المواطن العادي جعل هذا القرار أمراً طبيعياً وليس إرضاءً لنا كأكراد لعدم التظاهر ضد النظام. لن يغير المرسوم الجديد نظرتنا للنظام الذي يقتل شعبه ويقمع تظاهراته المنادية بالحرية. وسنواصل مسيرة النضال والثورة لجانب أخوتنا السوريين في هذا البلد”.

خالد عامل يبلغ من العمر 33 سنة يقول إن قرار الإعفاء من الخدمة الإلزامية كان قراراً صائباً ولكنه ليس منّة يحّملها النظام على الأكراد لكي يقفوا معه. ويرى خالد أن قانون إعادة الجنسية والإعفاء من الخدمة الإلزامية لم يكن بإرادة النظام بل كان بإرادة الثورة: “فلولا الحراك الموجود في الشارع السوري لكنا ربما انتظرنا نصف قرن آخر من الوعود دون فائدة. أنا لدي أربعة أولاد وكلهم إناث وأنا المعيل الوحيد لهم فإذا التحقت بالخدمة الإلزامية من سيقوم بتدبير أمور منزلي وأولادي! لو كنا أساساً غير مجردين من الجنسية، لكنت أتممت خدمتي الإلزامية منذ ثلاث عشرة سنة”.

علي وهو شاب في مقتبل الأربعينيات لا ينكر أن قرار إعادة الجنسية فيه نوع من رفع المعنويات له وللأكراد الآخرين: “لكن هذا القرار لا يفرض علينا أن نكون أبواقاً للنظام. فالنظام هو من جردنا وبذلك حرمنا من الخدمة الإلزامية وعليه أن يتحمل مسؤولية حماقاته عندما فكر بتجريدنا من حق شرعي تكفله كل مجتمعات العالم. لقد حاول النظام بهذا القرار أن يكسب الصوت الكردي في ظل الثورة السورية لصفّه إلا أن شعبنا لن يكون بهذا الغباء كي يستخف به النظام ويحاول كسبه”.

يعّبر عادل الذي يبلغ من العمر 55 سنة عن سعادته بصدور المرسوم المكمل: “لدي ثلاثة شبان وهم في الثلاثينيات من عمرهم ولولا هذا الإعفاء لاضطررت لإرسال ثلاثتهم للخدمة. بالنسبة لي وقد بلغت هذا العمر أراه قراراً صائباً وجريئاً. أنا أرى المرسوم من منظور شخصي فقد أفادني وأفاد أولادي وهمّي الوحيد هو أن تقف تلك الدماء التي نراها. أخشى كثيراً من تحويل منطقتنا إلى مكان مواجهة مع النظام. فالمنطقة تحتوي على طيف واسع من الطوائف والأقليات وإشعال حرب أهلية فيها ليس بالأمر الصعب”.

الإعفاء من الخدمة الإلزامية كما يقول الناشط الحقوقي ميسم حق واجب في ظل هذه الظروف من الثورة لأن الذين يذهبون للخدمة لن يُعرف مصيرهم في قطعهم العسكرية، خاصةً الذين يتم إرسالهم إلى المناطق الساخنة “إما يَقتلون شعبهم أو يُقتلون على يد الشبيحة إذا خالفوا أوامر إطلاق النار على المدنيين”.