إحتفال النوروز في زمن الثورة
في 21 مارس/آذار من كلّ عام يحتفل الأكراد بعيد النوروز، أيّ “اليوم الأول” من السنة الجديدة، حسب الترجمة العربية لهذه الكلمة الفارسيّة. وتقول الأسطورة إنّ هذا الإحتفال يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد عندما انتصر البطل الكردي “كاوا الحدّاد” على الطّاغية “ضحّاك”، كما يصادف هذا اليوم بداية موسم الربيع. يستعدّ الأكراد عادةً لهذا العيد بشراء الألبسة الجديدة وتحضير المؤن اللازمة ونصب الخيام في العراء وإضاءة الشموع مساءً لتزهو المدن في ليلة العيد. لكن في ظل الحراك الثوري الذي تعيشه سورية حالياً، إختلفت الإحتفالات هذه السّنة. فقد قرّر “المجلس الوطني الكردي”، وهو المظلة الجامعة لمعظم الأحزاب الكرديّة وتنسيقيّات الشباب التي تضم شباباً من الأكراد والعرب، القيام بطقوس هذا العيد بطريقةٍ مختلفةٍ تضامناً مع السوريين في باقي أنحاء البلاد وتحويله إلى يوم احتجاجٍ ضد النظام.
ويقول محمد جميل، القيادي في أحد الأحزاب الكردية: “في السابق كنا نقضي يوماً كاملاً في الطبيعة. إلا أننا هذه السنة اختصرنا المدّة في ثلاث ساعات فقط، إقتصرت على الأهازيج والهتافات والخطابات الثورية. كما دعينا كافة أطياف المجتمع السوري لمشاركتنا الإحتفال.”
حملت الإحتفالات هذه السنة شعار “عذراً نوروز سامحينا… سورية تنزف”. ووصفت الجهات المنظمة في بيانها الثورة السورية بأنها تجسيدٌ لمعاني نوروز الذي ارتبط في وجدان وذاكرة الشعب الكردي بقيم الحرية والخلاص من الظلم: “وإذا كان شهر آذار بالنسبة للشعب الكردي يجسد التضحية والبطولة وبداية سنة جديدة، فهو تحوّل بفضل الثورة السورية الشعبيّة التي اندلعت في آذار الماضي إلى شهر سوري بامتياز عبر الملحمة التي يسطّرها الشعب السوري من خلال ثورته وقدرته الإستثنائية على الصمود.”
وقام الأكراد باعتصاماتٍ ليليةٍ عشية النوروز في مدنٍ غالبية سكانها من الأكراد، مثل عامودا وديريك والقامشلي ورأس العين في الجزيرة السورية. كما قاموا بتشييد منصّات زُيّنت بالأعلام الكردية وعلم الإستقلال واللافتات التي كتبت عليها شعاراتٌ تطالب بالديموقراطية والتعددية بعد زوال نظام الأسد. واعتلى المنصات يوم العيد ممثلو “المجلس الوطني الكردي” والتنسيقيّات الشبابية وألقوا خطاباتٍ مناهضةً للنظام باللّغتين العربيّة والكردية، ركّزت على الوحدة الوطنية في البلاد بين كافة الأطراف وعلى أنّ الأكراد يقفون إلى جانب إخوتهم في سورية حتى إسقاط النظام. وتعالت الهتافات وأغاني الثورة السورية مثل أغنية القاشوش وأغاني أخرى.
جمعت احتفالات النوروز شرائح مختلفة من مجتمع الجزيرة. فحضر الأطفال بأزياء فلكلوريّة والرجال والنساء والشيوخ وجلسوا في خيمٍ كبيرة نُصبت لاستقبال الزوار. كما حضر في الحسكة بعض الوفود من المسيحيّين والعرب.
عبد الكريم سليم، أحد ناشطي الثورة وعضو تنسيقيات شباب الأكراد، عبّر عن مشاعره يوم النوروز فقال: “في كلّ عامٍ اعتدنا على إحياء هذا اليوم ونحن ننتظره بشغفٍ رغم مضايقات النظام لنا وبطشه بتضييق الخناق علينا وملاحقة النشطاء المسؤولين عن النوروز. هذا العام كان مختلفاً رغم جراحه ومآسيه. في كلّ يومٍ نرى العشرات من أبناء شعبنا في باقي المدن يُعتقلون ويُقتلون على يد نظامٍ لا يعرف الرّحمة. لذا، كان واجبٌ علينا لقدسية الثورة أن نحترم تلك الدماء ونحوّل الإحتفالات إلى تظاهراتٍ عارمةٍ في كافة المدن الكردية، وأن نثبت لكلّ السوريّين أنّ الأكراد هم جزءٌ من هذه الثورة منذ اليوم الأول.”
“لم أتخيّل في يومٍ ما أن أعيش هذه الأيّام الجميلة من عمري كشاب أهتف للثورة وأحيّي باقي المدن حتى إسقاط النظام،” يقول الشاب دليار عبدو. هيلين محمد التي تشارك بدورها في احتفالات النوروز عبّرت عن رأيها قائلة: “إنّ هذا اليوم الجميل رمزٌ للحرية وبات شهر آذار رمزاً لحرية كل السوريين. خرجنا اليوم نهتف لحمص وحماة ودرعا ودير الزور نشاركهم المصير ونعاهدهم بأنّ الثورة باقيةٌ ما بقينا.”
وبقي رجال الأمن في ذلك اليوم بعيداً عن تظاهرات النوروز وذلك لوجود قرارٍ مسبقٍ بعدم التّدخل. في مدينة الدرباسية، على سبيل المثال، قام وفدٌ من “مجلس السلم الأهلي” التابع “للمجلس الوطني الكردي” بإرسال رسالةٍ إلى الأجهزة الأمنية بأنّ التظاهرات سلميّةٌ وبأنّه لن يُقبل بأيّ تدخلٍ أمنيٍ في التظاهرات تجنّباً لحدوث صداماتٍ بين الأكراد ورجال السلطة.
ومن الملاحظ أنّ الأجهزة الأمنية السورية تتعامل منذ بداية الثورة بحذر مع الأكراد وتحركاتهم. فمن وقتٍ لآخر تقوم بإرسال تحذيراتٍ وتطلق النّار على المتظاهرين في بعض المدن الكبيرة مثل القامشلي والحسكة عندما يحاول متظاهرون الوصول إلى وسط المدينة. أما في باقي المناطق مثل عامودا، فقد انحسر التّواجد الأمني بشكلٍ كبيرٍ.
إحتفل الأكراد للعام الثاني على التوالي بعيدهم الأهم دونما حاجة إلى التخفي أوالخوف من بطش النظام. فالإعلان عن الهوية الكردية والخروج في احتجاجاتٍ ضد النظام أصبحا أمرين طبيعيين في سورية اليوم.