أهالي ينتظرون معرفة مصير أبنائهم لإحقاق العدالة
إحدى الأمهات ترفع صورة أبنها المفقود خلال وقفة في إنطاكيا لعائلات المفقودين السوريين
تنتظر هادية منذ العام 2013 وحتى اللحظة خبراً عن ولدها. هي تجهل مصيره، لا تعلم إن كان معتقلاً أو مخطوفاً كما تخشي ألّا يكون على قيد الحياة. لكنها تريد معرفة مصيره وهي التي دفعت مبالغ مالية ضخمة لقاء معلومة، لكن دون فائدة. اختفى ابنها الذي أصبح اليوم في الثلاثين من عمره، اختفي في حي اليرموك في دمشق.
هادية السعدية (62 عاماً) تقول: “لا توجد أسباب واضحة لغيابه. حاولت التواصل مع أفرع الأمن كون المنطقة التي اختفى بها كانت تخضع لسيطرة النظام. لكن أكدوا لي أنه غير موجود عندهم”.
تتمنى هادية أن يكون ولدها على قيد الحياة وأن تعرف مصيره بأقرب فرصة. كانت قد قررت مع ولدها وحيدها قبل اختفائه الهرب إلى تركيا خوفاً من الاعتقال وزيادة الوضع الأمني سوءاً في المدينة. رحلت هي إلى تركيا فيما هو لا يزال مجهول المصير.
شاركت هادية بالكثير من الوقفات الاحتجاجية، وطالبت به وبمعرفة مصيره لكن دون فائدة. يعدّ وضع المختفين من أصعب الملفات إذا ما تمت مقارنته بأوضاع الضحايا أو المعتقلين المعروفة أماكن وجودهم.
بالنسبة لهادية العدالة حلم كما معرفة مصير ولدها خصوصاً إن كان لا يزال على قيد الحياة وبصحة جيدة. أن تجده على قيد الحياة أمر قد يحقق لها نوعاً من الرضى شرط محاسبة المتسببين بما حلّ بابنها ومعاقبتهم أشدّ عقاب. لكن لا يمكن الشيء أن يعوضها السنوات التي عاشتها وحيدة من دون ولدها وهي منفصلة عن زوجها.
لا تختلف قصة أبو حسن بنتائجها عن قصة هادية لكن هناك بعض الفرق بالتفاصيل. فقد أبو حسن ابنه الصغير أحمد والذي يبلغ اليوم العشرين عاماً. فقده في مناطق سيطرة تنظيم الدولة وتحديداً في ريف اللاذقية في العام 2013، ولا زحد يعلم عنه أي شيء عن أحمد منذ ذلك التاريخ.
حاول آبو حسن عدة مرات السؤال عنه، وذهب إلى مدينة الرقة التي كانت معقل التنظيم، علّه يعرف أخباره أو أي معلومة عنه وإذا ما تم اعتقاله من قبلهم لكن دون أي نتيجة.
أم عبد الله فقدت ابنها وزوجته، بعد أن قررا ترك البلاد والخروج نحو تركيا ومن ثم السفر إلى أوروبا. لا تعرف أم عبدالله أية أخبار عنهما منذ أن تركا منزلهما في مدينة اللاذقية. كانت وجهتهما الأولى مناطق سيطرة المعارضة ومن ثم تركيا وبعدها سيذهبون بالبحر إلى أوروبا. لكن لم تسمع منهما أي خبر،
تفكر كثيراً بما حلّ بهما وكيف اختفيا واضعة الكثير من الاحتمالات .قد يكونا قد تعرضا للخطف أو القتل بهدف السرقة. لقد أخذا معهما مبلغاً مالياً كبيراً لكي يتمكنا من الوصول إلى أوروبا. وربما غرقا في البحر فلقد مرت سنوات طويلة على خروجهما، أكثر من ستة أعوام وبات من الصعب الآن، حتى وإن استقر وضع البلاد، البحث عنهما.
تقول أم عبدالله “أن العدالة من الممكن أن تتحقق لمن فقد أرضه من خلال إعادتها له، لمن هجّر من بيته من خلال عودته. أما هي فلا تجد أي فعل يعوضها عما عاشته خلال هذه السنوات، عن الأيام التي مرت ولم تنام وهي تنتظر خبراً عن ولدها. وتشدد على أهمية محاسبة المجرمين والمتسببين في اختفاء الناس بشكل قسري. ليس بهدف تحقيق العدالة، لأن هذا الحساب لن يحققها ولن يعوضها عما فقدته وإنما لإعادة بناء المجتمع، وضمان عدم تكرار مثل هذه الأفعال من خلال ضبط القائمين عليها ومحاسبتهم .
يعيش أهالي المختفين ضمن ظروف صعبة، فهم يسعون بشكل دائم لمعرفة مصير أبنائهم، لكن يتوجب عليهم السؤال لدى الكثير من الجهات ووضع عدد كبير من الاحتمالات، خصوصاً في حالة الحرب والفوضى التي تعم البلاد .
ويعتبر ملف المختفين قسراً من أكثر الملفات تعقيداً. خصوصاً في ظل استمرار الحرب ومع غياب الأدلة وتعقد الوضع وتغيير الجهات التي تسيطر على المناطق، بحسب ما أفادت محامية سورية تعمل على الملف، فضّلت عدم الكشف عن اسمها.
وتلفت المحامية إلى أن مرحلة العدالة الانتقالية في سوريا سيكون من الصعب فيها كشف مصير كل هؤلاء المفقودين والمغيبين. لكن هناك الكثير من الأمور التي من الممكن العمل عليها. أبرزها عدم تسييس هذه الملفات لحساسيتها وانسانيتها وتعلقها بأسر تتأمل معرفة مصير أولادها. إضافة إلى إمكانية تشكيل لجنة متابعة قانونية من خلال الدستور تتمتع بصلاحيات كاملة وواسعة، كفتح المقابر الجماعية وغيرها، هدفها هو جمع الأدلة وتوثيق هذه القصص والبحث بالأدلة وملاحقة قضايا هؤلاء الأشخاص .
وتتابع المحامية أن التجربة السورية ربما تكون مختلفة عن باقي التجارب في البلدان الآخرى، بسبب طبيعة الصراع وما وصل إليه ومدته الطويلة. لذلك من الضروري والهام جداً مشاركة أسر هؤلاء المفقودين بمرحلة العدالة الإنتقالية والعمل على تمكينهم قانونياً وإخضاعهم لورشات ودورات تدريبية ومن ثم التشبيك في ما بينهم والسعي وفق أسس قانونية لمعرفة مصير ذويهم، أن هذا الأمر من الممكن أن يسهل عملية البحث كثيراً لأنهم الوحيدين المدركين لظروف الإختفاء وتاريخه والجهة المسيطرة ، فضلاً عما سيحققه هذا الأمر من موضوع السلم الأهلي وتلافي الشرخ الحاصل في المجتمع السوري .
يذكر أن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أفادت خلال في تقريرها التاسع عن الاختفاء القسري في سورية، بأنّ “قرابة 100 ألف مواطن سوري مختفٍ قسرياً منذ مارس/ آذار 2011 إلى أغسطس/ آب 2020، غالبيتهم لدى النظام”. مشيرة فيه إلى أنه منذ “قرابة تسعة أعوام ونسبة المختفين قسرياً في ازدياد والنظام السوري مسؤول عن قرابة 85% من الحالات، في حين تتوزع البقية على قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وفصائل المعارضة (الجيش الوطني)، والتنظيمات المتطرفة (تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام)”.