أنا وصديقي جمعتنا كرة القدم و فرقنا النظام
مصطفى الجلل
(كفرنبل-سوريا) منذ انطلاق المظاهرات في مارس/ آذار 2011 بدأ يظهر اختلافنا في الرأي و التوجه، بين تأييده لتصرفات قوات الأمن والنظام في قمع المظاهرات السلمية حينها، وتأييدي و تشجيعي للمتظاهرين والمطالب التي رفعت من حرية و كرامة.
صديقي أبو صطيف (51 عاماً) أكبر مني بعام واحد، يحمل شهادة الدبلوم في التربية الرياضية مثلي. رجل مثقف ومن أهم خطاطي الخط العربي في المنطقة، كما أنه من أنجح رسامي الكاريكاتير. جمعتنا كرة القدم وعشقنا للرياضة بشكل عام، عملنا في النادي الرياضي في مدينة كفرنبل منذ تأسيسه عام 1991و حتى نهاية صيف 2010. عشنا انتصاراته وانتكاساته معاً لم يفارق أحدنا الآخر منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
كانت نقطة تحول اختلافنا في الرأي (على أساس ديمقراطية وحرية تعبير) إلى خلاف شديد ومتعنت من قبلي عند إطلاق قوات النظام والأمن أول طلقة على المتظاهرين السلميين وسقوط أول شهيد وأول قطرة دم. وهذا ما جعل العلاقة التي تربطنا تفتر شيئاً فشيئاً، وكان احتلال قوات النظام ودخولهم مدينة كفرنبل في الرابع من تموز/ يوليو 2011 بداية القطيعة بيننا، حيث كان الدم هو الحد الفاصل .
صديقي أبو صطيف حدثني بعد مشاركتي في التظاهر للمرة الأولى وقبل دخول قوات النظام بقصد النصيحة، أنه لا يجب علي المشاركة حرصاً على مرتبي الشهري الذي أتقاضاه وأن أنتظر نتائج هذه المظاهرات و بعدها أقرر المشاركة أو عدمها ,كما أنه ذكرني بأننا من البعثيين العاملين وأنني كنت مكلفاً بمهمة حزبية وهي (أمين رابطة الشبيبة التابعة لاتحاد شبيبة الثورة وحزب البعث).
حاول صديقي أبو صطيف أن يثنيني عن موقفي لكني بقيت مصراً وعلى قناعة تامة بمعارضتي للنظام المجرم. بيّنت له أني عندما شاركت بالحراك الثوري السلمي كنت أدرك وأعي قراري. كنت أعلم أن أول شيء سيفعلونه هو قطع مرتبي الذي لا أملك من الدنيا غيره. بعدها تابعت المشاركة في كافة الأنشطة السلميّة التي كانت تقوم في مدينة كفرنبل، من مظاهرات وأعمال إغاثية للمناطق التي اقتحمها الجيش وهجّر سكانها وحاصرهم، مثل جسر الشغور وخان شيخون. واستمر صديقي ابو صطيف في موقفه المؤيد للنظام ومعارضته للحراك الثوري، ولم يشارك حتى في تشييع شهداء المدينة، ولم يقم بتعزية أهاليهم رغم أنه واجب ديني وأخلاقي.
وأرجح إن ما يدفعه لاتخاذ هذا الموقف هو عائلته، وخاصة زوجته التي فرضت عليه أن لا يتابع أي من المحطات التلفزيونية التي كانت تنقل أخبار الحراك الثوري أثناء سهرنا في منزله حسب ما صرحه لنا, إضافة إلى خوفه على مرتبه الشهري الذي يقبضه علماً أن عمله الإضافي كخطاط يكفيه ويزيد, وغير ذلك لا أعرف ما الذي يدفعه لتأييد النظام، فلا مصلحة أو غاية تبرر له موقفه. وأنا أعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يؤذي أي إنسان، وأعلم طيبة قلبه ونقاء سريرته، فقد كان محبوباً من قبل أهل المدينة جميعهم وهذا ما يجعلني حائراً في ما يدفعه لهذا وإلى متى سيستمر؟
الموقف العلني الواضح الذي اتخذته تجاه صديقي أبو صطيف كان يعكس وبوضوح موقف جميع أصدقائنا المشتركين. لكن موقفهم منه كان يعتريه بعض الخجل والتجمل. وما زلنا حتى يومنا هذا نجتمع ونلتقي يومياً وكأن شيئاً لم يكن باستثناء غياب صديقنا أبو صطيف الذي تمت مقاطعته بشكل تام من قبلي وبشكل نسبي من قبل بقية الأصدقاء.لأنني لا أعرف في حياتي اللون الرمادي ومثل هذه الأمور لا أتعامل معها إلا بجدية لأنها لا تحتمل الوسط.
حاول صديقي أبو صطيف أن يعيد العلاقة بيننا إلى ما كانت عليه عبثاً عن طريق ضغط والدي عليّ، رغم إصراره على تأييد النظام ومعارضة الحراك الثوري. لم يغير موقفه حتى إلى الحياد، حاول أن يبيّن لي ويبرر بأنه متهم ظلماً بكل الإشاعات التي انتشرت حول علاقته بقوات الجيش المحتلة للمدينة، وكان من نتائج هذه العلاقة أن قام (الثوار) بحرق منزله عن آخره في معركة تحرير المدينة .
في اللقاء الوحيد الذي جمعنا صدفة بعد عام من بدء الحراك الثوري، كان ينتقد لوحات الرسم التي ترفع في المظاهرات من حيث الألوان ومطابقة الشخصيات المرسومة وأن الرسام غير محترف. لم أستطع السكوت قاطعته وسألته بقساوة: لماذا لم تكن انت الرسام الذي تعتمد عليه مظاهرات المدينة ؟ ولماذا لم تكن رسوماتك هي المرفوعة؟ بعد هذه الكلمات صمت ولم يعقب وبعد قليل ترك الجلسة.
بعد توقيف مرتبي الشهري من مديرية التربية من أجل مراجعة فرع الأمن الجوي في العام 2014، زادت معارضتي للنظام وبغضي له. فيما صديقي أبو صطيف بقي مؤيداً وكأن الدماء التي سالت والشهداء الأبرياء الذين سقطوا والمعتقلين في سجون النظام لم تحرك مشاعره وأحاسيسه رغم العديد من القذائف والصواريخ التي سقطت قرب منزله.
لأنه بمثابة أخي الذي لم تلده أمي, صديقي أبو صطيف فقد والدته المريضة في بداية صيف 2014 وكواجب ديني وأخلاقي وإنساني سارعت إلى تعزيته مع إخوته رغم مقاطعتي له. علماً أنه لم يخفف عني ولم يواسني مثل بقية الأصدقاء يوم توقف مرتبي, ما زلت أكن له المحبة والمودة, وأنا على استعداد لإعادة علاقتنا السابقة إلى ما كانت عليه فور تغيير موقفه المؤيد للنظام عن قناعة, وأتمنى أن يهتدي إلى جادة الصواب .