أنا سوري… وأشعر بالغيرة


عبد السلام معين

اكتشفتُ الثورة، أخيراً: لقد آمنوا بأنفسهم فقامت. ليست الثورة التي لقنونا إياها في الكتب الدراسية، لا انقلابات عسكرية ولا تصفية حسابات، ولا سفك دماء بين الخصوم السياسيين باسم الثورة.

تونس أولاً، وتلتها مصر. هكذا سجلت أجيال الشباب رفضها لحاضرها وحرصها على مستقبلها. لم أكن لأنهض من أمام شاشة التلفاز إلا لانقطاع البث أو انقطاع الكهرباء! الحرية التي يفيض بها الثائرون تبكيني، كانت تجعل فؤادي ينتفض مطالباً بأن نكتب لسوريا ثورتها التي ستدرس يوماً للأجيال اللاحقة، والتي بها سنطوي صفحات لطّخت بعذابات الناس وحرمانهم.

لم تمر الأحداث من غير أن تنال اهتمام، بل قلق، السوريين، خصوصاً الشباب منهم. في الجامعات، رواد المقاهي والمتاجر والمطاعم… الجميع تحول إلى مذيع ومحلل و”ثائر”. يدلون بانتقاداتهم ويطرحون اقتراحاتهم على الثوار الحقيقيين في مصر وتونس. كنت، مثلهم، أسترق النظر إلى شاشات المتاجر والمحلات أثناء المشي في الشارع، حتى لا يفوتني خبر مهما كان صغيراً.

لم يقتصر هذا التأثر على المتابعة السلبية، بل بدأ يظهر على الأرض شيئاً فشيئاً. فالحراك متواجد، لكنه خجول. مجموعات جديدة على “فايسبوك”، وبيانات وعرائض تطالب بالتغيير أو الإصلاح. اعتصامات هنا وهناك تضامناً مع الثورات العربية، لكن أيضا للهتاف: “حرية حرية”. للمرة الأولى منذ زمن يُفتح الحديث بهذا الشكل الواسع، بين السوريين، عن أوضاعهم، وبشكل علني. أسئلة مختلفة تُطرح حول احتمالات التغيير وإمكانياته.

لم أكن لأتصور مثلاً بأن صديقي في الجامعة، والمنتمي لأحد أحزاب “الجبهة الوطنية” (التي يسيطر عليها النظام)، قد يبدي رغبته في النزول إلى الشارع للمطالبة بالتغيير. فقبل أشهر قليلة فقط، خضت معه حديثاً أبدى لي خلاله عدم اكتراثه، بل وتمسكه بالوضع الحالي.

الشارع قلق، والسُّلطة قلقة. حتى أن كتابة دعوات، على جدران الأبنية، للإطاحة بالرئيس السوري ظهرت في أكثر من مكان من أرياف دمشق، وشوهد رجال الشرطة يسارعون إلى طمس تلك العبارات حيثما وجدت.

لا يبدو حتى اللحظة أن السلطة استقرت على كيفية التعامل مع ما يحصل. لكنها بالتأكيد استنفرت أجهزتها الأمنية إلى حد غير مسبوق، كما لا يبدو أنها تعلمت الدرس الذي كلّف نظيرتيها في تونس ومصر غالياً. الإعلام السوري، على سبيل المثال، وبعد تجاهل الأحداث في بدايتها، اتبع أسلوباً آخر يتمثل في انتقاء الخبر و”إعادة صياغته” على هوى السلطة. هكذا، أصبح سقوط مبارك سقوطاً لنظام كامب ديفيد، وليس سقوطا لنظام حكم مستبد أفقر شعبه وأذلّه.

والأنكى من ذلك هو الحملة الدعائية التي نظمت للرئيس السوري في خضم الثورات. فنقلت وسائل الإعلام المحلية كافة حضوره حفل المولد النبوي في الجامع الأموي، وراحت الجماهير تهتف من حوله وتقبّل يديه! كما عُلقت لوحات إعلانية تقول بأننا سنحرق أنفسنا وأولادنا فداء لبشار الأسد. وفي يقيني، ومن ردود الأفعال التي لمستها حولي، أن تلك المشاهد أثارت استياء كبيراً لدى السوريين في هذا التوقيت بالذات. فبدلاً من اتخاذ مبادرات باتجاه المصالحة مع الشعب، يمعن النظام في استغباء الناس وإهانتهم.

المؤكد أن جيلنا في حالة غليان، والسؤال الأكثر تداولاً بين الشباب الآن هو: كيف نبدأ ومن أين؟! الإجابة ليست سهلة على الإطلاق، نريد سوريا لنا جميعاً، حرة وديموقراطية وعادلة. ويحزّ في أنفسنا أننا لم نلتحق بركب الثورات حتى اللحظة، كأنه جرح في الكرامة. ومع ذلك، لسنا يائسين. فبعد ما حصل في تونس ومصر وليبيا، ما عاد هناك مستحيل، والإيمان بذلك هو بداية الطريق.