أم وائل صانعة أعلام الثورة

أم وائل تواصل مهمتها بخياطة أعلام الثورة تصوير هاديا منصور

أم وائل(41 عاماً) من أشهر وأمهر الخياطات في مدينتها كفرنبل. كانت جداً سعيدة مع أسرتها الصغيرة المؤلفة من ثلاثة أبناء وزوج كان دائم المرض. لم يكن يهمها أنها من تجهد للإنفاق على المنزل، بل كان جل همها تلبية جميع احتياجات عائلتها وعدم حرمانهم من أي شي.

بدأ ابنها البكر وائل يكبر أمام ناظريها حتى بلغ الـ 22 من عمره. حينها بدأت تراودها فكرة البحث عن زوجة مناسبة له. كانت أم وائل تحلم بأن ترى أبناءه يلعبون حولها ويملأون عليها حياتها.هي التي أنجبته في سن صغيرة جداً، كانت تظن أنه لا بد من زواجه بهذا السن.

مع بداية الثورة السورية بدأ الجيش السوري يقمع جميع المتظاهرين بالقوة والرصاص الحي. كما بدأ بالإنتشار في معظم المناطق السورية لكبح جماح الثورة. وكانت كفرنبل من بين المناطق التي انتشر فيها.دخل جيش النظام وبدأ يمنع التظاهرات المناهضة للنظام. ولكنه لم يستطع ردع المظاهرات الحاشدة التي كانت تخرج عقب كل صلاة جمعة.

كان وائل من أشد المتعلقين بالمظاهرات السلمية، التي كان يرى فيها حلم الحصول على الحرية والكرامة. وكان لا يوفر جهداً في السير والهتاف ورفع الشعارات وترديد المطالب المحقة.

بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2012،  خرج وائل وكعادته مع المظاهرة التي دعا إليها ناشطو المدينة رغم تهديدات الجيش. بدأ المتظاهرون بالهتاف، وتجمعت عشرات السيارات المدنية والدراجات النارية للمشاركة في التظاهرة. لكن عناصر جيش النظام باغتوا المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي عليهم فكان وائل أول من استشهد في ذلك اليوم.

تلقت أم وائل خبر استشهاد ولدها البكر وائل بصدمة كبيرة. لم تنجح بتزويجه ولم ترَ أولاده. حاولت أن تكون طبيعية أمام الزوج المريض الذي كان يصارع الموت في أيام حياته الأخيرة، والذي توفي بعد أسابيع قليلة بعد استشهاد وائل دون أن يعلم بخبر وفاته.

بصلابة تابعت أم وائل حياتها وذات يوم، وكان قد عم الهدوء أرجاء المدينة، علت أصوات الرصاص التي لتخرق ذاك الهدوء الحذر. فوجئت أم وائل بإصابة أحد الثوار أمام منزلها. كان ملاحقاً من قبل عناصر الجيش. بسرعة أدخلته إلى منزلها لإنقاذه. لم تأبه بما يمكن أن يحدث لها إن اكتشف أفراد الجيش ذلك.

قامت بتضميد جرحه، لكنه ونتيجة إصابته البالغة استشهد تاركاً وصية لأم وائل بإخبار عائلته بخبر وفاته. وتوصيل أمانة لهم. تأثرت أم وائل بمقتل الشاب وكأنها فقدت ولدها الثاني. قامت بتسليم جثمانه لذويه بمساعدة عدد من الثوار في ما بعد، كما أنها أدت الأمانة التي كلفها بها.

نشأ الإبن الثاني لأم وائل ويدعى نور على نهج أخيه. إنضم إلى إحدى فصائل الجيش السوري الحر، بعد أن دخلت الثورة السورية طور التسلّح للدفاع عن نفسها. لم تمنع أم وائل ولدها نور من الإلتحاق بركب الثورة لقناعتها التامة بأحقيتها، وهي تقول: “إنها السبيل الوحيد للنجاة من حكم ظالم استبد بقمع البلاد لسنوات طويلة”.

نور الذي اتصف بالأخلاق الكريمة والشجاعة والسمعة الطيبة، كان محبوباً من  كل من يعرفه. غير أن هذا الشاب لم تكتب له الحياة. قضى في الكهف حيث باغته مع رفاقه صاروخ إرتجاجي، تسبب بهدم المغارة التي كانوا يرابطون فيها لمنع قوات النظام من التقدم نحو المناطق المحررة.

21 شاباً كانوا ضحية تلك الغارة في 23 أيلول/سبتمبر 2016. لم تتمكن أم وائل حتى وداع نور، ودفن جثمانه الذي لم تستطع كل محاولات الدفاع المدني استخراجه مع رفاقه، لكون المنطقة كانت مستهدفة ومكشوفة على نقاط الجيش.

لم يبق لأم وائل اليوم سوى ابنها الأصغر، ولكنها لا زالت تلك المرأة القوية التي قدمت فداء للثورة الغالي والرخيص. وهي تعمل كمعلمة مهنية في مراكز نسائية لتعليم الفتيات والنساء مهنة الخياطة.

وتعتبر أم وائل من أكثر الناشطات تميزاً في منطقتها، هي صاحبة اللافتات القماشية وأعلام الثورة التي خاطتها بحرفية عالية لرفعها في المظاهرات والاحتجاجات والمناسبات الثورية. ولا زالت أم وائل تردد: “لن تموت الثورة بموتنا، الثورة حق مسلوب لا بد من استرجاعه يوماً ما، طال الزمان أو قصر”.