أم هيثم من ضحية إلى منقذة
العاملات في الدفاع المدني يقمن بدور جبار في مواجهة الحرب والمجتمع تصوير أسينات محمد
تبدو أم هيثم (32 عاماً) التي تعمل مع الدفاع المدني اليوم، غير تلك السيدة المنهارة التي لم تجد من زوجها إلا ذراعه عند باب المنزل. تلمع عيناها بإصرار وهي تقول: “أن تكوني أرملة ودون سند تلك ليست نهاية الحياة. حاجة أطفالك لك تولّد قوة كبيرة تجعلك لاتوفرين جهداً لمساعدتهم وإعالتهم”.
أم هيثم (32عاماً) من مدينة معرة النعمان أم لثلاثة أطفال. كانت تجلس في زاوية المنزل تحتضن طفلها الصغير بجوار زوجها وطفليها الآخرين، حين اشتد القصف على مدينة معرة النعمان أواخر العام 2013. تذكر حالة القلق التي كانت تعيشها في تلك اللحظات وكيف انقلبت إلى رعب مع سماعها دوي انفجارات قريبة.
توجه زوجها مسرعاً لتفقد والديه المسنّين وكانا يعيشان بجوار منزلهما الصغير. لم تمض إلا بضع دقائق على خروجه لتسمع أم هيثم صوت إنفجار أقوى من الأول. توجهت مسرعةً إلى باب المنزل لتتفقد زوجها. ولكنها ما إن خرجت حتى أصيبت بصدمة وعجز بعد رؤيتها ليده المقطوعة معلقة بباب المنزل. لم تجد منه شيئاً سوى يده المقطوعة.
لا تنسى ام هيثم رغم مرور السنوات ذاك المشهد المفجع والمؤلم. صوت القصف في ظلمة الليل الحالك وانقطاع الكهرباء. صراخ النساء في الشارع أعاد يومها أم هيثم للواقع فانهارت أرضاً، دون القدرة على نطق أي كلمة.
حين حضرت فرق الدفاع المدني لتفقد المنطقة، عملت على نقل أم هيثم وأولادها إلى منزل والديها خوفاً من استهداف المنطقة مجدداً. مكثت أم هيثم وأولادها لأشهر في منزل والديها بعد استشهاد زوجها. وحين تجدد القصف على المدينة نزحت مع والديها وأطفالها إلى المناطق المجاورة.
كان لا بد من البحث عن عمل لتلبية حاجاتها وحاجات أطفالها وأبويها، ودفع إيجار المنزل الذي استأجرته والذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة. وجدت أم هيثم عملاً في عيادة طبيب أسنان بأجر قليل جداً، وكانت تعمل منذ الصباح الباكر حتى المساء ومن ثم تعود للاهتمام بوالديها وأطفالها الصغار.
عدة أشهر أمضتها أم هيثم نازحة ومع عودة الكثيرين من أبناء مدينتها إلى معرة النعمان بعد ان خف القصف، قررت العودة إلى منزلها لتتخلص من أجرة البيت التي أثقلت كاهلها، ولتتخلص من العمل في تلك العيادة حيث الأجر المتدنّي الذي لم يسدّ إلا القليل من احتياجاتها.
عادت أم هيثم إلى معرة النعمان وبدأت بالبحث عن عمل. أخبرتها صديقتها أن هناك شواغر وظيفية في أحد المراكز الطبية التابعة للدفاع المدني. توجهت مسرعةً للتسجيل، وبعد أيام تلقت رسالة تتضمن قبولها وتحديد موعد مسابقتها. فرحت أم هيثم وبدأت بالتحضير للمسابقة، لتكون من إحدى الناجحات كونها زوجة شهيد أولاً ولخبرتها العملية ثانياً.
بدأت أم هيثم العمل مع زميلاتها في مركز الدفاع المدني، وبدأت تواجه انتقادات من الأقارب والمجتمع لعملها في هذا المجال وبأنه خاص بالرجال وليس لها القدرة على ممارسة هذه المهنة. ولكن إصرارها وإرادتها وتشجيع والديها جعلها لا تأبه بكل الأقاويل.
شعرت أم هيثم أنها تقوم بيد العون لمن مثلها كما مد الدفاع المدني سابقاً يد العون لها. يوم نقلوها مع أولادها إلى منزل والديها خوفاً من تجدد القصف، جعلوها تشعر بأنها لم تكن وحيدة بل هناك من يهتم لسلامتها وسلامة أبنائها. هذا الإحساس هو الذي يدفع أم هيثم للعمل بتفاني في هذا الواجب الإنساني.
“لم أكن أتخيل أن أكون على قدر المسؤولية التي حملتها بعد وفاة زوجي. ولكنني إكتسبت الكثير من القوة في عملي مع الدفاع المدني واندماجي في المجتمع من خلال حملات التوعية التي نقوم بها. وبالتخفيف من آلام المصابين والمرضى، أشعر بقيمتي في المجتمع بعد دخولي في هذا المجال” تقول أم هيثم.
وتختم أم هيثم حديثها: “أنا سعيدة طالما أنني ألبي جميع إحتياجات أطفالي ووالديّ من أدوية وأغذية وملابس. وأشكر الله على إيجادي لهذا العمل المميز حيث اكتسبت من خلاله الكثير من الخبرات العملية وعززت ثقتي بنفسي. الحياة تحتاج أشخاصاً أقوياء لينجحوا فيها رغمكلعثراتها وتحدياتها”.