بعد عقد في السلطة: الجزء4: أكراد سوريا: أكثر جرأة لكن لا يزالون تحت الاضطهاد

كأكبر أقلية قومية في سوريا، كان الأكراد يأملون عام 2000 بأن حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية سيتم الاعتراف بها أخيرا من قبل الرئيس الجديد. لكن السنوات العشر الماضية أثبتت أنها مخيبة للآمال.

على الرغم من كونهم أقلية مضطهدة في سوريا، استطاع الأكراد السوريون خلال السنوات العشرة الماضية تحقيق خطوات هامة على طريق تأكيد حقوقهم الثقافية والاجتماعية والسياسية، كما يقول محللون ومعارضون سياسيون.

بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000 وانتقال السلطة إلى خليفته، ولده بشار، أصبح الأكراد أكثر جرأة، وشرعوا في عمل اعتصامات واحتجاجات للمطالبة بتحسين أوضاعهم.  تضاعف عدد الأحزاب الكردية وأصبحت أكثر مجاهرة بمطالبها.

لكن ظهور هذا الحراك كان له ثمن باهظ. فقد استجابت السلطات السورية بمزيد من القمع، واللجوء بشكل روتيني لاعتقال النشطاء السياسيين الأكراد، والقمع العنيف لاحتجاجاتهم السياسية والثقافية.

بدءا من عام 2000، خلال فترة قصيرة من الانفتاح الداخلي، نظم الأكراد نقاشات عامة للمطالبة بحقوقهم كجزء من مسعى عام قام به عدد من المثقفين والمعارضين من أطياف مختلفة، للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية في البلاد.

لكن السلطات سارعت إلى وضع حد لهذا الحراك الاحتجاجي السلمي. كان هناك معارضون أكراد ضمن عشرات النشطاء الذين اعتقلوا حينها. على أية حال، على الرغم من تلك الحملة الشاملة على النشطاء السياسيين ذلك العام، استمر الأكراد بالمقاومة.

في ديسمبر 2002، نظم حزب سياسي كردي اعتصاما أمام البرلمان لمطالبة السلطات بتخفيف القيود المفروضة على الثقافة واللغة الكرديتين، والاعتراف بأن الأكراد يشكلون ثاني جماعة إثنية في البلاد.

قمع الاعتصام وحكم على اثنين من قيادييه بالسجن لأربعة عشر شهرا. منذ ذلك الوقت، قمعت السلطات أي شكل من أشكال المطالبات السلمية بحقوق الأكراد.

يمثل الأكراد نحو عشرة بالمئة من العشرين مليون سوري. لكن بعض التخمينات تقدر أن عددهم قد يصل إلى ثلاثة ملايين كردي. يعيش الأكراد بشكل أساسي في شمال وشرق البلاد بالإضافة إلى المدن الكبرى كدمشق وحلب.

التمييز ضد الأكراد ليس سياسيا فقط بل اجتماعيا وثقافيا أيضا. على خلاف التعامل مع بقية الأقليات في سوريا، كالسريان والأرمن، يمنع النظام السوري الأكراد من بناء مدارس خاصة، أو تعليم لغتهم، أو إطلاق أسماء كردية على أعمالهم وأبنائهم، أو نشر كتب باللغة الكردية.

شكل أساسي آخر من الظلم المستمر كما يراه الأكراد، هو استمرار تجريد نحو 300،000 شخص منهم من الجنسية السورية. عام 1962 جردت الحكومة السورية 120،000 كردي يعيشون في المناطق الشمالية الشرقية من جنسيتهم، مدعية بأنهم عبروا الحدود بشكل غير مشروع قادمين من دول مجاورة.

هؤلاء المجردين من الجنسية وأولادهم أصبحوا يصنفون على أنهم “أجانب” وجردوا من العديد من حقوقهم المدنية.

عام 2003، قمعت السلطات أيضا اعتصاما يدعو إلى إعادة الجنسية السورية للأكراد المجردين منها. العديد من النشطاء الأكراد اعتقلوا من جديد.

احتجاجات عام 2004

ذروة القمع بحق الأكراد حصل في آذار 2004، عندما أطلق رجال أمن النار على جماعة من المحتجين، فقتلوا على الأقل 36 شخصا وجرحوا 160، وفقا لمنظمات حقوقية محلية ودولية. كما اعتقل نحو ألفي شخص.

تلك الحادثة التي وصفت من قبل العديد من الأكراد بـالانتفاضة، حصلت بعد يوم واحد من شجار وقع أثناء مباراة كرة قدم محلية بين فريقين عربي و كردي. لكن عديدين يعتقدون بأن الاضطرابات اللاحقة كانت نتيجة  لاستياء أعمق من السياسات الحكومية تجاه الأكراد.

يعتبر الأكراد من بين الأفقر في البلاد، على الرغم من أنهم يعيشون في مناطق غنية بالنفط وغيره من المصادر الطبيعية. يتهم المعارضون السياسيون الأكراد السلطات بإهمال مناطقهم وإخضاعها للفساد ولحكم أمني عديم الرحمة.

يقول أحد المعارضين الأكراد بأن أحداث 2004 الدامية أثرت بشكل سيء على الطريقة التي ينظر بها الأكراد إلى النظام السوري. فقد حولت الحكومة إلى “عدو” في عيون معظم الأكراد، كما يقول.

احتجاجات عام 2004 أعطت الأكراد دفعة من الثقة للضغط من أجل المزيد من الحقوق والحكم الذاتي، كما خلص إليه تقرير عن الأكراد نشر في نوفمبر 2009 من قبل منظمة مراقبة حقوق الانسان ومقرها نيويورك.

أضاف التقرير بأن ضخامة حجم احتجاجات عام 2004 أقلقت النظام في دمشق، الذي كان يواجه عزلة دولية وكان يشعر بالتوتر حيال الحكم الذاتي للأكراد في العراق.

استجاب النظام السوري خلال أكثر من خمس سنوات منذ آذار 2004، بالحفاظ على “سياسة قاسية من القمع المتزايد ضد الأقلية الكردية” وفقا للتقرير.

عام 2005، جاء اغتيال الشخصية الكردية ذات الشعبية، الشيخ محمد معشوق الخزنوي، ليصب الزيت على النار. كان الشيخ قد اختطف في دمشق قبل أن يتم العثور عليه ميتا. العديد من الأكراد  اتهموا الحكومة بقتله. لكن المسؤولين السوريين نفوا تلك الادعاءات.

يعتقد مراقبون بأن التحول في سياسة النظام السوري تجاه الأكراد في دول الجوار وتحسن أوضاع الأكرد في العراق وتركيا كان وراء التغيرات الهامة في العلاقة بين الأكراد والحكومة السورية التي حصلت خلال العقد الماضي.

استراتيجية حافظ الأسد

خلال فترة حكمه، نجح والد بشار بحشد تأييد الأكراد السوريين له عبر دعمه لحركات التمرد الكردي في العراق وتركيا، الاستراتيجية التي سعى من خلالها لإضعاف جيرانه.

دعم حافظ أكراد العراق منذ السبعينيات ضد نظام صدام حسين في بغداد. كما استمر بتأمين مأوى لحزب العمال الكردستاني، حركة المقاومة الكردية التركية المسلحة ، حتى عام 1998 عندما هدد هذا الدعم بإشعال حرب مع تركيا.

منذ ذلك الوقت، توقف دعم الجماعات الكردية التركية الانفصالية، حيث توجهت دمشق وأنقرة نحو علاقات أكثر دفئا، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية.

مؤخرا، ذكر الإعلام الكردي الرسمي بأن أجهزة الأمن السورية اعتقلت 400 شخص يشتبه بأن لهم علاقات مع ال PKK.

جماعات حقوقية في سوريا  اعتبرت تلك الاتهامات “لا أساس لها من الصحة ووراءها دوافع سياسية”، مضيفة بأن تلك الاعتقالات كانت تهدف إلى “قمع” معارضة النظام.

بعض المحللين يعتقدون بأن استراتيجية حافظ الذي دعم الأكراد في المنطقة  ودعم وصول بعض الشخصيات الكردية السورية إلى مناصب بارزة، نجحت في منع ظهور أية حركة مقاومة كردية داخلية.

لكن عندما استلم ابنه زمام السلطة في فجر الألفية الجديدة، كان دعم الأكراد خارج سوريا قد تضاءل.

رأى الأكراد داخل البلاد في ذلك فرصة لإيلاء الاهتمام لأوضاعهم الداخلية.

خلال السنوات اللاحقة، ومع تحسن أوضاع أكراد العراق، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، ثم تحسن أوضاع أكراد تركيا، شعر أكراد سوريا بأن اللحظة كانت مواتية للحصول على نوع من اعتراف سياسي.

منذ عام 2000 انضم الأكراد إلى قوى المعارضة الأخرى، على الرغم من أن العلاقات بينهم وبين باقي القوى كانت بعض الأحيان غير قوية.

المطالبة باعتراف سياسي

اليوم، يوجد أكثر من ستة عشر مجموعة سياسية كردية تعمل بنشاط على حشد الدعم الشعبي لتأكيد حقوق الأقلية الكردية.

على أية حال، جميع هذه الأحزاب، مثل جميع الأحزاب الأخرى التي لا تنضوي تحت مظلة حزب البعث، لا تزال غير شرعية.

بعض المراقبين يقولون بأن الانقسامات داخل تلك الأحزاب أضعفت الحراك الكردي. وعلى الرغم من أن السلطات تتسامح نوعا ما مع وجود الأحزاب الكردية، إلا أنها وبشكل روتيني تقمع قادتها. اليوم، أربع قياديين أكراد، هم مشعل التمو، مصطفى جمعة، سعدون شيخو ومحمد سعيد حسين، يقضون أحكاما بالسجن، بينما ثلاثة آخرين ينتظرون محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة.

وهم متهمون بنشر أخبار كاذبة، الانتماء إلى منظمة سرية تهدف إلى اقتطاع جزء من الأراضي السوري لضمها إلى دولة أجنبية، وهي التهم التي تستخدم دائما من قبل النظام ضد المعارضين الأكراد.

العديد من القادة الأكراد الآخرين يحاكمون حاليا للأسباب نفسها.

محام من القامشلي، أحد معاقل الأكراد الرئيسية، ياحظ بأن الدعاوى القضائية ضد النشطاء الأكراد قد ازدادت بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية.

لعقود طويلة، كان الأكراد ضحايا لسياسة القومية العربية. غالبا ما اتهموا بافتقادهم الإخلاص للأمة  وتطلعهم لتشكيل دولتهم الخاصة ونيل الحكم الذاتي، على الرغم من أن معظم المجموعات الكردية لا تطالب علانية بفصل مناطقها عن سوريا.

يقول مراقبون بأنه إضافة للاعتقال التعسفي، تلجأ السلطات السورية إلى إجراءات واسعة النطاق تؤثر على معيشة أعداد كبيرة من الأكراد.

المعاناة من التمييز في الحياة اليومية

مثلا، عام 2008، وبموجب قرار حكومي أصبح أكثر صعوبة بالنسبة للأكراد شراء وبيع العقارات في منطقة الحسكة شمال شرق البلاد.  هذا القرار، بالإضافة إلى ثلاث سنوات من الجفاف، سبب نزوح آلاف الأكراد عن أراضيهم.

معظمهم يعيش اليوم في ظروف مريعة في مخيمات حول المدن الكبرى.

يقول بعض المراقبين بأن الحكومة تطبق سياسة فعالة لتغيير ديموغرافية المناطق الكردية ويكسر التواصل الجغرافي لتلك المناطق، وهي استراتيجية كانت واضحة منذ عقد السبعينات.

.

قمع الأكراد يحصل أيضا خلال الاحتفالات الثقافية. هذا العام، خلال احتفالات النيروز، المناسبة السنوية حيث يرحب الأكراد بقدوم الربيع، قتل على الأقل اثنين من الأكراد المحتفلين، في مواجهات مع قوات الشرطة. في كل سنة، تتصاعد التوترات بين الأكراد والسلطات خلال هذه الفترة.

تتفق الجماعات السياسية الكردية اليوم على أن الحكومة لا نية لديها لمنحهم المزيد من الحقوق كأقلية إثنية. ويعتقد العديد بأن ظروف الأكراد يمكن أن تتحسن فقط بتحسن الحريات المدنية في سوريا.