أكثر من مليون ونصف مصاب في سوريا… ما مصيرهم؟

 

“بسبب ضعف الخدمات الطبية في إدلب، ذهبتُ إلى تركيا برفقة أخي، علّني أجد هناك مَن يرأف بحالي… رحتُ أبحث عن رعاية أفضل، لأنّ تركيب طرف صناعي في مدينتي حلمٌ صعب المنال. فالأوضاع المادية متردية، فيما تكلفة الطرف الصناعي في سوريا قد تصل إلى 1200 دولاراً. وهذا مستحيل بالنسبة لنا في ظل ظروف الحرب، ونحن بالكاد نستطيع تحصيل قوتنا اليومي… أما الجمعيات التي تقدّم أطرافاً صناعية فهي قليلة، ونوعية الأطراف سيئة”. بهذه الكلمات يروي مدين قصته.

 

مدين (24 عاماً) من معرة النعمان، هو أحد ضحايا الحرب. تعرّض للإصابة بشظية في قدمه، ما أدّى إلى بترها. اضطر للسفر إلى تركيا. هناك تقدّم بطلب إلى أحد مراكز تركيب الأطراف الصناعية، وبعد خمسة أشهر حظي بالطرف. في بادئ الأمر لم يستطع مدين التأقلم مع الوضع الجديد، إنما بعد ذلك رضي بواقعه المؤلم وتابع حياته.

 

مع إستمرار الحرب السورية، يسقط كل يوم عشرات القتلى، كما يزداد عدد الجرحى. الجرحى، وجزء كبير منهم أصبحوا مع إعاقات وأمراض مستعصية. ولا يجدون في كثير من الأحيان، مَن يضمّد جراحهم. يواجهون مصيرهم لوحدهم في ظل ضعف الدعم المادي والنفسي، وقلة المبادرات الدولية التي تتمكن من العمل داخل سوريا. وكذلك فإنَّ الحصار الذي يفرضه النظام على المناطق المحررة ومنها إدلب، يمنع دخول الأدوية… ما يفرض موتاً بطيئاً على كل مريض ومُصاب. ولذا وجد الكثير من المصابين أنَّ السفر هو الحل، وذلك في سبيل البحث عن علاج يُعيد إليهم فرصة العيش حياةً شبه طبيعية. فباتوا يبحثون عن تلك الفرصة في بلدان اللجوء، لكنهم يعانون من مرارة الغربة والبعد عن الأهل.

 

أيمن (32 عاماً) من قرية منطف في ريف إدلب، فقدَ القدرة على الحركة بسبب شظية في عموده الفقري. نجا أيمن بأعجوبة من برميل متفجّر استهدف قريته، ولم يستطع السفر خارج سوريا للعلاج. يقول أيمن: “تبدّلت حياتي فجأة وأصبحتْ شبه منتهية فهي مرتبطة بكرسي متحرّك أصبح وسيلتي الوحيدة في الحركة والتنقّل. ولم أعد قادراً على مزاولة عملي في البناء وبالتالي غير قادر على إعالة عائلتي”.

ويختم أيمن بمرارة: “لم يعد أمامي سوى انتظار الموت”

 

أمّا وليد (41 عاماً) من قرية جرجناز في ريف معرة النعمان، فقدَ القدرة على المشي لكنه لم يفقد العزيمة، ولم يثنه ذلك عن العمل لتأمين متطلبات أسرته. يروي وليد قصته قائلاً: “انضممت إلى الجيش الحر منذ بداية الثورة. وفي إحدى المعارك تعرّضت لإصابة بليغة في قدمي اليمنى، تحولتُ بعدها إلى إنسان عاجز. شعرت بأنني أموت ببطء، على الرغم من أنني حصلت على طرف صناعي من جمعية خيرية محلية، إلا أنّ سعادتي لم تكتمل لأنّ نوعية الطرف سيئة، فهو مصنوع بأسلوب بدائي”.

يُضيف وليد: “في الفترة الأولى، كنت أعتمد أنا وعائلتي على المساعدات التي لا تغطي إلاّ جزءاً يسيراً من حاجاتنا. ثمَّ فقررت أن أعتمد على نفسي وأعمل. وما دفعني إلى ذلك، نظرات الحرمان التي كنت أراها في عيون أطفالي. فاستفدت من أحد المشاريع الخيرية في منطقتنا وهو متخصص لمساعدة المعوّقين ومصابي الحرب، وحصلت على منحة مالية بسيطة، استطعت من خلالها افتتاح محل لبيع الحلويات جانب منزلي. لنعيش بعدها أنا وعائلتي بكرامة”.

 

ومن بين مصابي الحرب، الأطفال. وإصاباتهم تكون الأقسى، لأنّ أجسادهم لا تحتمل الآلم. وقد يترتب على الإصابة، إعاقة تلازمهم مدى الحياة أحياناً. ويعيشون تحت وطأة نظرة سلبية من المجتمع تجاههم، ويقبعون في حالة نفسية صعبة.

 

الطفل سمير الداني (9 سنوات) من مدينة كفرنبل، انفجرت قربه قنبلة عنقودية. فاخترقت شظاياها جسده الصغير، وانتهى به الأمر إلى استئصال الطحال وبتر يده اليمنى… ليعيش اليوم على هامش الحياة ويعاني من المرض والعجز. حتى أنّ سمير يرفض الذهاب إلى المدرسة حسب والدته، لأنه يشعر باختلافه عن رفاقه ويعجز على الكتابة.

 

مروان الشيخ (37 عاماً) طبيب جراحة عامة من ريف إدلب، يقول: “المصابون هم الأكثر تضرراً في هذه الحرب الدامية، لأنّهم يعيشون أوجاعهم وهم على قيد الحياة. فبعضهم فقد أجزاءً من جسده وبات يستعين بقطع مُصنّعة عوضاً عنها”.  يُضيف الشيخ: “المصابون يحتاجون منا الكثير. وللتخفيف من آلامهم، نحتاج لمراكز طبية مجهّزة، فكثيراً ما يضطر الأطباء لبتر أطراف بعض المصابين لعدم توافر المعدات اللازمة لعلاجهم. كما أنّ المصابين يحتاجون إلى دعم نفسي لإعادة الثقة بأنفسهم، ومحاولة تأمين فرص عمل تلائم إمكانياتهم، وتمكّنهم من ممارسة دورهم في المجتمع بشكل شبه طبيعي”.

 

إلى اليوم، لا توجد إحصائية واضحة ودقيقة عمّا خلّفته الحرب في سوريا من حالات إعاقة وإصابة. وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المسحية، وعدم القدرة على متابعة الحالات اليومية نتيجة القصف المستمر، وتزايد الإصابات يومياً.

 

لكن بحسب المنظمة الدولية للمعوّقين فإنّ الصراع الدائر في سوريا خلّف أكثر من مليون ونصف مصاب إلى اليوم، وبينهم عشرات الآلاف ممن يحتاجون لعمليات جراحية وأطراف صناعية وإعادة تأهيل. وتشمل هذه الحالات بتر الأطراف والتشوهات الخطرة والشلل وتعطُّل الوظائف الحيوية.

يذكر أن المنظمة الدولية للمعوّقين أرسلت فريقا من 600 متخصص في علاج العظام، بالإضافة إلى فنيين في مجال تصنيع وتركيب الأطراف الصناعية إلى دول الجوار السوري حيث يوجد اللاجئين السوريين، لتقديم الرعاية الطبية وتركيب الأطراف الصناعية. وقد قدمت مساعداتها حتى الآن إلى 360 ألف مصاب. لكننا نتحدث عن أكثر من مليون ونصف مصاب، فهل تحرك المجتمع الدولي على قدر الواقع؟ خاصة وأنَّ المنظمة تعمل في الجوار السوري. أمّا في سوريا، فالجمعيات قليلة، والإمكانيات محدودة جداً، والعناية ضعيفة، والمصابون في تزايد مستمر بسبب استمرار الحرب.