أفلام قصيرة متنوعة .. صنع في كفرنبل
من كواليس فيلم المارد
شهدت مدينة كفرنبل أخيرا ازدهار صناعة جديدة، صناعة وجدت طريقها إلى هذه المنطقة بعد اندلاع الحرب السورية. إنها صناعة الأفلام التي تعكس صورة الواقع في المناطق المحررة، وتجسد ردود فعل مختلفة للواقع الحياتي منذ بدء الحراك الثوري في ربيع 2011، هي أفلام خرجت من قلب المعاناة، وكانت إحدى طرق التعبير التي تنتشر بسرعة، وجميعها صنع في كفرنبل.
بهمة عالية، ونشاط كبير، وطموح مشروع، وأدوات بسيطة. تم انتاج أفلام قصيرة تتميز بالفكرة والطرح الجريء، الذي يتناول رد النظام السوري وكيفية مواجهة المتظاهرين بعد بدء الثورة، كما تتناول مواقف الدول العربية والغربية تجاه الحراك السلمي في سوريا، وإظهار الناحية السلبية لدعم الدول التي تدعي صداقة الشعب السوري، وتنقل واقع الفساد وصوره المتعددة ضمن المناطق المحررة، وتسلط الضوء على ضعف العلاقات الاجتماعية بين الأهل، وقد لاقت هذه الأفلام قبولاً لافتاً بعد عرضها على اليوتيوب وفي صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة.
مخرج فيلم “المارد” الشاب أيهم السطيف (28 عاماً) يقول عن تجربته:” جاءت فكرة الفيلم تهكماً على تصريحات المملكة العربية السعودية الرنانة بخصوص استحالة بقاء الاسد وضرورة رحيله، والهدف إيصال رسالة الى الدول الصديقة لسوريا وبالذات العربية والخليجية، أن تصريحات مسؤوليهم، بعد 5 سنوات ونصف من الإجرام والمجازر، أصبحت مزعجة ومؤلمة كما المجازر التي ترتكب من قبل روسيا ونظام الأسد، وأن الشعب السوري لا يحتاج للمساعدات التافهة التي يرسلونها”.
ويضيف السطيف :” لا توجد خبرة حقيقية في الإخراج السينمائي أو التلفزيوني، لكنني تابعت دورة عن إخراج المسلسلات الإذاعية، وقمت بدراسة كتب ومراجع في الإخراج السينمائي، وتلقيت نصائح من قبل فنانين ومخرجين معروفين. وذلك ما ساعدنا في صناعة هذا الفيلم، رغم الأدوات البسيطة وغير الاحترافية التي تم استخدامها في هذا العمل”.
لغة سهلة وأنيقة، وأسلوب ممتع وجميل، ولهجة بدوية رائجة ومفهومة، سطّر نورالدين الاسماعيل (36 عاماً) سيناريو فيلم المارد، ويقول عن ذلك: “حاولت من خلال السيناريو تسليط الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوري مقابل ما يتلقاه من مساعدات ودعم، لم أقصد التهجم على أحد ولكن أحببت أن أنقل للعالم حقيقة المساعدات والأرقام الكبيرة التي يطرحها الإعلام العالمي عنها. وحددت من خلال الفيلم ما يحتاجه الشعب السوري وهو الخلاص من المجرم الذي يقصف الناس في بيوتهم”.
ويضيف الاسماعيل: “اخترت اللهجة البدوية لأن انتشارها أوسع من اللهجة المحلية في كفرنبل، اسقاطات على واقعنا العربي وتفنيد الادعاءات أن العرب اخوة ومن عشيرة واحدة فلو كانوا كذلك لما تركوا الشعب السوري يقتل بكل الأسلحة ومن كل الدول وهم يتفرجون”.
لون الكفن الأبيض يرمز لسلمية الثوار، استخدمه ناشطوا كفرنبل في فيلمهم الساخر “الأموات تريد إسقاط النظام” في بداية الثورة، وبحسب الناشط الحقوقي ياسر السليم (43 عاماً): “بدأت فكرة الفيلم بوضع لافتات على القبور، ثم تطورت إلى حمل الأموات لهذه اللافتات بصمت، وانتهى بفيلم ناطق. يصرخ فيه اموات المقابر بشعار إسقاط النظام، وعند مشاهدتهم معاناة فادحة وأصعب من معاناة الميت في القبر، عادوا إلى قبورهم التي هي أهون من جرائم النظام وممارساته”.
حتى “المكدوس” استخدم في الرسائل السياسية، من خلال فيلم المكدوس المفترس .. الانتقام القاتل وهو فيلم شبه وثائقي بنكهة كوميدية، من إخراج الشاب عبد الكريم البيوش (23 عاماً) الذي يصف تجربة الفيلم بقوله: “كان الفيلم ثمرة جهد جماعي لفريق مركز رؤية للتنمية المجتمعية، وهو فيلم يشبه وثائقيات ناشيونال جيوغرافيك، بقالب فكاهي مسلي، والهدف منه رسم الابتسامة على وجوه من يشاهده بعيداً عن صور الدمار والقتل والدماء التي يعيشها الأهالي يومياً، وفيه نقد سياسي وسخرية من أداء الأمم المتحدة والعالم”.
صوت جبلي، فيه حلاوة تين كفرنبل، وصفاوة زيت الزيتون المنتشر على أطرافها، وعذوبة مياه آبارها. يظهر الشرطي المنشق جمال الأحمد (34 عاماً) أحد أبطال فيلم المارد. وهو يغني موال بدوي عن الطائرات الحربية واختراقها وقصفها للأهالي. يقول جمال عن تجربته: ” هذه أول مرة أخوض في موضوع التصوير والأفلام، ليس عندي أي فكرة عن العمل الفني، كانت التجربة رائعة وممتعة جداً بالنسبة لي، ولأنني متابع جيد للمسلسلات البدوية سابقاً، أتقن هذه اللهجة الجميلة في بساطتها، أتمنى أن أكون قد نجحت وساهمت مع فريق العمل بإيصال رسالة الفيلم”.
المخرج والكاتب الصحفي سقيع شيخ الكار (65 عاماً)، أثنى على بساطة مضمون هذه الأفلام، التي اعتمدت السخرية المرة والكوميديا السوداء بقوله:” أفكار فنية صورتها وجسدتها الكاميرا، تحاكي الواقع بأسلوب ساخر ونقدي لا يخلو من الإبداع الفني والفكري، وعبرت هذه الأفلام عن حس ذوقي وفني شبه مكتمل، كما كشفت عن مواهب فنية قابلة للتطوير، فكان الإخراج رائعاً من حيث اختيار أماكن التصوير، وكان التصوير ممتازاً وكذلك المونتاج، وجاءت الموسيقى التصويرية مناسبة جداً، وتتميز هذه الأفلام باللمسات الفنية والإحساس العالي”.
ابن مدينة كفرنبل الروائي والأديب عبد العزيز الموسى (68 عاماً) الحائز على عدة جوائز أدبية على مستوى الوطن العربي، يصف الأفلام بقوله: “أفلام قصيرة جداً من وحي الثورة، تحاول التعامل مع الوقائع والأحداث اليومية بمختلف أنواعها بأسلوب تهكمي ساخر. وما أذهلني الشباب الذين أدوا أدوارهم بتمكن ملفت وكأنهم متمرسين ومحترفين. أجادوا في التعبير واللهجة سواء لهجة كفرنبل أو اللهجة البدوية”.
ومن الناحية الأدبية يتحدث الموسى عما تتناوله هذه الأفلام: “جاءت الحبكة قصيرة ومميزة وملفتة ومناسبة لمدة الأفلام، استطاعت في أقصر وقت تغطية المراد منها سواء عن طريق الصورة والصوت، أو الصوت فقط”.
ويختم الموسى قائلاً:” كانت هذه الأفلام عبارة عن وثبات فنية مشبعة بروح الشباب الفنان والموهوب حقاً، وعلى درجة من البصيرة النافذة التي حققت الهدف المراد، وأخرجت حالات واعدة ومبشرة ما كانت في حسبان القاعدين عن الحلم”.