أطفال يناطحون الإستبداد

أطفال يشاركون في مظاهرة ضد النظام في سوريا

خلال العقود الماضية قام النظام في تنشئة جيل عقيدته البعث وسلوكه يكسوه الانضباط والانصياع العسكري, مستخدماً بذلك المدارس والمناهج التعليمية في تعميق منهجه ذو الأدلجة المبكرة, لترسيخها في الأذهان, ضمن ممارسات إمتازت بالخوف وكبت الحريات.

لتنتقل عملية التنشئة خلال المسيرة التعليمية والعمرية لدى الطفل من منظمات طلائع البعث, إلى أفرع شبيبة الثورة, إلى حزب البعث, وفي حال نفاذه منها يتم بوتقته ضمن اتحاد الطلبة السوري المنتشر في جميع جامعات ومعاهد وزارة التعليم والتربية, سعياً منه لتكوين جيل موالي ومؤدلج لا يقف على الضفة الأخرى.

وساعياً لتكوين جيل من الأطفال مستنسخون فكرياً، ذو إتجاه منصاع لقائد واحد وحزب واحد في نظام شمولي, يقصي الجميع من خلال حزبه القائد للدولة والمجتمع.

ليقف النظام الآن مذهول ومشلول أمام ما يرى ويسمع من هذا الجيل الثائر, الذي أمضى عقود في ترسيخ مفهوم التبعية وتأليه القائد الخالد, ليتناطح نظامه وليقف على الضفة الأخرى ويصدح  بالحرية.

على ما يبدو أن هذه الأدلجة لم تصمد أمام نسائم الربيع العربي فذهبت أدراج الرياح, مع غطرسة مورست ضد الأطفال الذين ما كانوا ليقوموا بما قاموا به إلا لكونهم كانوا قد ولدوا أحرار, ومنعوا من التعبير عن رأيهم. ليهتف الطفل الثائر “الشعب يريد إسقاط النظام” ويكتبوها على جدران المدارس, ليبادر النظام الى اعتقالهم  وتعذيبهم وقتلهم بدم بارد.

أطفال يحملون صورة الطفل الشهيد حمزة الخطيب

ليخرج بعدها الأطفال في جميع أنحاء سورية ويؤكدوا على استمرارهم, ويقدم حمزة الخطيب جثمانه في تأكيد على أن مستقبل سوريا لهم, وأن الحرية في سورية تأبى الأدلجة وأنها حية في صدورهم. وليبلّغوا النظام الذي صم الآذان على أنه أصبح تاريخاً وأن المستقبل سيكون لهم شاء أم أبى, ويكونوا أول من يطرق بصوته السماء بالتكبير, وليكسروا حاجز خوف الكبار في ظلمة الليالي, وليتسابقوا في معظم المظاهرات التي تقمع بكسر حاجز التردد والخوف ليكونوا هم من يشعل فتيل هتاف المظاهرات.

وهنا يسبق الطفل الجميع, ولا أدري من أين قد اكتسب الشجاعة والجرأة وأن يكون السبّاق. فتراه على الأكتاف أو منضم لإحدى اللجان, أو يحمل اللافتات ويساعد في تنظيم السير في حال خلو عناصر الشرطة من المكان…الخ.

إن عقود طويلة من فكرة التأليه ومفهوم الديمومة الإلهية, كانت مسيطرة على عقلية النظام الرافض لحتمية التغيير, التي هي من فطرة الكون الحقيقة القائمة, وعلى ما يبدو أن النظام يحاول القفز على الحقيقة بقتل المستقبل قبل حضوره إليه, ساعياً بقتل الأطفال وتعذيبهم في نوع من خلق جيل فشل في ترهيبه وأدلجته.

وإلى الآن لم يقتنع النظام بأن الأطفال الذين حاول إرهابهم في ثمانيات القرن الماضي في مجازر شملت مدن سورية كثيرة منها حماة, هم الذين خرجوا في ساحات الحرية يطالبون بالحرية وإسقاط النظام, وأن أطفال سورية اليوم سوف يثورون غداً عليه في حال بقاءه.

ألم يفهموا بعد أن المستقبل في عيون الأطفال هو لهم, وأن التاريخ لكم وعليكم التسليم بفكرة حركة التاريخ الثابتة. إن الأطفال يرسمون المستقبل هنا ويضعون ثقلهم ووزنهم على الساحة السورية, ويفرضون شروطهم على الواقع الجديد, ويرفضون جميع أنواع الأدلجة بكافة صورها من قبل الدولة, والقول بأن الثقافة الديمقراطية تزرع وتأسس هنا, وأنه مستقبل البلاد هنا وينبغي بناءه.

 عادة إن وقود الثورات هو الشباب, ولكن الشرارة تختلف من ثورة لأخرى. ولكن فقط في سورية إن الأطفال هم فتيل هذه الثورة باتخاذهم من الكتابة على الجدران وسيلة للتعبير عن رأيهم دون أن يكون للخوف مكان في صدورهم, ويكونوا هم من شرارة الثورة السورية.

من هنا تنفس الأطفال نسائم الحرية, ليخرجوا عن بيت طاعة النظام الذي لن يستطع أن يعيدهم إليه مهما طالت الثورة, واشتدت ليقدموا من تضحيات في سبيل أن تكون سورية حرة في أعين المستقبل.