أطفال سوريا يعانون واقعاً قاتماً
ينعم الأطفال النازحون في مراكز الإيواء بالأمان مقارنة مع الأطفال في أماكن النزاع وفي الشوارع، مع أن ظروفهم ليست مثالية.
مريم عبدالله*
(دمشق، سوريا) – ثلاثة آلاف ليرة فقط (ما يعادل 25 دولار) هو ثمن لطفل عمره خمس سنوات، تعرضه أمه للبيع على احدى أرصفة باب توما وسط دمشق. تلف السيدة التي تمسك بسيكارة وتبدو في أوائل الثلاثينات من عمرها نفسها بعباءة سوداء، ويبدو على عينيها الوهن. أخبرني البائع الذي كنت أشتري منه القهوة، ويدعى محمد، أن هذه السيدة تعاني من مشاكل نفسية، وهي تعيش في الحدائق ومدمنة على الكحول، وأنها على الأرجح لا تدري ماذا تفعل.
أجريت عدّة اتصالات لعلّي أعثر على مكان يمكن أن يأوي هذا الطفل، لكن للأسف القوانين والاجراءات المتبعة حالت دون ذلك. دور الايتام لا تستقبل الأطفال دون محضر شرطة، والشرطة لا يمكنها اجراء أي محضر قبل أن تقوم بتحقيق مفصّل خوفاً من أن يكون الولد ابن أحد “الارهابيين”، وهي التسمية التي تطلقها الحكومة على مقاتلي المعارضة. لم أتمكن من إقناع الشرطة بمتابعة الموضوع.
رغم الواقع الذي يعانيه الأطفال المشردون في دمشق، فقد يكونون أفضل حالاً من باقي الأطفال السوريين في جبهات القتال. جاء في بيان صادر عن “اليونيسف” في آذار/ مارس أن معظم المدارس في هذه المناطق تعرض للدمار، كما أن الأطفال يعيشون في حالة مستمرة من الرعب والمعاناة جراء الحرب التي أثرت على حياة أكثر من خمسة ملايين طفل سوري. وتشير عدة تقارير صادرة عن “هيومان رايتس واتش” إلى تعرض الأطفال للتعذيب على يد القوات الحكومية، والتجنيد للقتال في صفوف المعارضة.
في أحد مراكز إيواء النازحين في دمشق، والتي يبلغ عددها نحو 20، ينعم الأطفال الهاربون مع عائلاتهم من القتال بالأمان. ما أن يدخل الزوار إلى المركز الذي يأوي أكثر من مئة عائلة نازحة، حتى يتجمع عدد كبير منهم قائلين بحماس: “هل ستلعبون معنا؟”.
هذا المركز كان في الأساس مدرسة، ويبدو واضحاً فيه دور “الأمانة السورية للتنمية”، وهي منظمة غير حكومية تتعاون مع محافظة دمشق التي تشرف على مراكز النازحين. وتساهم أيضاً منظمة “الهلال الأحمر” وغيرها من المؤسسات المدنية والدينية في تأمين الدعم للأطفال من خلال تدريبهم على الرسم والتعبير بالحركة واللعب، أو إشراكهم في العروض المسرحية.
ولكن الظروف في هذه المراكز ليست مثالية. يقول الناشط الاجتماعي وائل، الذي عمل في مركز لايواء النازحين، إن العديد من الأطفال يعانون من القمل والجرب، كما يبدي العديد منهم أيضاً الآثار السلبية للحرب التي شهدوها. ويضيف: “بعضهم يعاني من التبول اللاارداي، وهو نتيجة حالات الخوف التي عاشوها، بالاضافة الى الكوابيس والنوم المتقلب. وبكل الأحوال ورغم العناية المتوسطة في مراكز الايواء، الا أنها غير كافية”.
أما عن أطفال الشوارع، فيقول وائل إنه لا مجال لمقارنة وضعهم بوضع الأطفال النازحين في مراكز الإيواء، فأطفال الشوارع “حتماً معرضون للاستغلال بكافة أشكاله ولا تمكن (معالجة مشكلتهم) الا بوجود مراكز تضمهم ويعيشون بكنفها، بينما سوريا خالية من أي مركز لرعاية أطفال الشوارع”.
ويظهر بوضوح في العديد من شوارع دمشق أطفال أو مراهقون يقومون بالتفتيش في القمامة أو يتنقلون لبيع المناديل الورقية والسجائر.
تؤكد المحامية والناشطة الحقوقية نورا الحالات التي ذكرها وائل. تشير نورا التي تعمل على قضايا حماية الأطفال والمرأة، إلى أن العديد من هؤلاء الأطفال في شوارع دمشق “يتعرضون لخطر الاستغلال الاقتصادي، أو الجنسي مثل حضهم على البغاء، أو استغلالهم في الأعمال الاجرامية”.
عاينت المحامية بنفسها في مراكز احتجاز الأحداث حالات صعبة كانت قد تعرضت لها الفتيات أو الفتيان. فهناك فتيات قاصرات انتهى بهن الأمر في مركز الأحداث بعد أن أجبرن على العمل في الدعارة. وفي ظل غياب مراكز رعاية أطفال الشوارع، أودع بعض الفتيان الصغار في مراكز الأحداث بعد زجهم من قبل بعض العصابات في الهجرة غير الشرعية إلى الخارج بقصد عرضهم على التبني. وتنتشر هذه الأعمال التي تصنف كاتجار بالبشر، بحسب نورا، على رغم وجود نصوص قانونية واضحة تجرّمها.
يبدي محمد، البائع الذي أخبرني عن الطفل الذي تعرضه أمه للبيع، قلقاً كبيراً على هذا الطفل والكثيرين غيره ممن لا يتمتعون بأي حماية. ويقول محمد: “كي لا تتحولوا الى صحفيين تكتبون فقط تماماً ككاتبي التقارير المسيّسة نأمل أن يصل صوتكم الى المنظمات المعنية بحقوق الطفل لتقوم بعملها المطلوب”.
*اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا.