أطفال سوريا يدفعون ثمن الحرب
لم تكن الطفلة تسنيم البالغة من العمر ست سنوات تعلم أنها سترى والديها وسبعة من إخوتها الثمانية للمرة الأخيرة يوم الثاني من كانون الثاني/يناير 2013. في ذلك النهار، قصفت الطائرات الحربية منزل عائلة جمعة في حي العصافير، الواقع في بلدة المعضمية في ريف دمشق، والمؤلف من طابقين وحديقة.
توفي الوالدان وستة من إخوتها على الفور، بينما نقل عناصر من “الجيش الحر” تسنيم وأخاها محمود البالغ من العمر سبع سنوات إلى أحد المشافي الميدانية في المعضمية.
كُتبت الحياة من جديد لتسنيم، بينما تُوُفيَّ محمود بعد ساعتين من إسعافهما بسبب تردي وضعه الصحي. تعيش اليوم تسنيم، التي تعاني من تشوهات بالغة في الوجه، مع جدتها وأختها فاطمة البالغة من العمر عشرين عاماً، والتي فقدت زوجها في حادثة قصف منفصلة.
تشهد قصة تسنيم ومحمود على الثمن المرتفع الذي يدفعه الأطفال السوريّون في الأزمة التي دخلت عامها الثالث، فقد قُتل 5509 أطفال دون سن السادسة عشر منذ آذار/مارس 2011 وحتى آذار/مارس من العام 2013، بحسب موقع “شهداء الثورة السورية“، الذي يجمع معلوماته من عدة مصادر توثيقية في سوريا وخارجها.
وقد أشارت منظمة “اليونسيف” في تقرير خاص أصدرته في شهر آذار/مارس إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه الأطفال السوريون داخل سوريا وممن لجؤوا مع عائلاتهم إلى دول الجوار. يذكر التقرير أن من أصل أربعة ملايين متضرر من النزاع، مليونين هم من الأطفال، الذين يعانون من القتل والإصابات والاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى غياب الخدمات الأساسية مثل التعليم وحتى المياه النظيفة. ويحذّر التقرير أيضاً من أن الأطفال يتم تجنيدهم للقتال.
يقول حسان أيو عضو “لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا”، التي تعمل بشكل سري داخل سوريا، إن النظام يخرق المواثيق الدولية ويتسبب بمقتل آلاف الأطفال عبر استهداف المناطق المدنية بالقصف المدفعي والجوي.
ولكن في الوقت نفسه، يشير أيو إلى ضرورة تحسين التشريعات الهادفة إلى حماية الأطفال من الانتهاكات الحقوقية التي يمارسها مسلحو المعارضة، لا سيّما تجنيد من هم دون سن الثامنة عشر.
“ثمة حاجة إلى تحسين المعايير القانونية الدولية والوطنية وتقويتها،” يقول أيو، ويضيف، “إن تجنيد…من هم دون الثامنة عشر في صفوف كتائب “الجيش الحر” يعتبر جريمة بحق الانسانية، وانتهاك مؤلم لحقوق الأطفال والقصّر…وهو بحد ذاته خرق فاضح للقوانين التي أقرتها اتفاقية جنيف.”
بعيداً عن المشاريع التشريعية التي قد تكون طويلة الأمد، يفترض الحديث عن حماية الأطفال في المناطق التي يطالها القتال في سوريا، الالتفات إلى الواقع الميداني المتدهور، وغياب وسائل الإغاثة الطبية والنفسية اللازمة من أجل الحد من تداعيات هذا الوضع على الأطفال.
أشار الدكتور محمود، وهو الطبيب الذي عالج الطفلين تسنيم ومحمود، إلى أن حالة تسنيم النفسية عندما وصلت إلى المستشفى الميداني، كانت سيئة جدّاً وكانت تسأل عن أبويها وإخوتها طوال الوقت. لكن الطبيب يعترف بالعجز عن توفير الدعم النفسي للطفلة.
“نحن حالياً لا نعمل على تقديم أي رعاية نفسية للأطفال وذلك بسبب نقص الكادر الطبي المختص في هذا الشأن، ناهيك عن ظروف الحرب والتي تجعل كل اهتمامنا ينصب حالياً على معالجة الجرحى،” يقول الطبيب الميداني.
ويعاني المشفيان الميدانيان في منطقة المعضمية، مثل أغلب المستشفيات الميدانية في المناطق الساخنة، من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. وتعاني المعضمية اليوم من حصار يفرضه الجيش النظامي منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر. وتتعرض يومياً للقصف المدفعي والجوي، بالإضافة إلى انتشار القناصين قبالة المداخل الرئيسية للمعضمية، مما يثقل كاهل عمال الإغاثة ويضاعف من مخاطر إدخال المواد الطبية والمستلزمات الضرورية.
بعد أن تلقّت تسنيم العلاج في المستشفى لمدة 21 يوماً، خرجت لتعيش في بيت جدها وجدتها مع أختها فاطمة وطفليها، بالإضافة إلى هبة (25 عاماً) زوجة خالها، الذي قتل جراء قصف مدفعي، وابنها ربيع الذي يبلغ من العمر سنة وأربعة أشهر.
وتعاني العائلة كلها من وضع معيشي صعب، حيث تعتمد على راتب الجد التقاعدي الذي يبلغ أربعة عشر ألف ليرة سورية (حوالي 140 دولار)، ويزيد من حدة وصعوبة هذا الوضع المصاريف الخاصة بالأطفال.
تقول هبة، والدة ربيع: “يحتاج ربيع، كأي طفل آخر، في سنه إلى عناية خاصة. إنه بحاجة إلى حليب أطفال وحفاضات وعناية طبية مستمرة، وبعد أن استشهد زوجي لم يعد لدي أي معيل.” وتضيف: “فيما سبق أعطاني “الجيش الحر” 4000 ليرة (حوالي 40 دولاراً) كتعويض، ولكن المبلغ قليل جداً مما اضطرني لبيع مصاغي من أجل تأمين ما يحتاجه ربيع.”
بدت تسنيم بصحة جيدة عندما قابلها موقع “دماسكوس بيورو” في بيت جديها بعد 28 يوماً على وقوع الحادثة، وهي تتماثل تدريجياً للشفاء. كانت تسنيم خجولة، وامتنعت عن قول أي شيء غير أن والديها وإخوتها هم الآن في الجنة. وقد زاد تشوه وجهها من خجلها، فكانت تحاول دائماً أن تخبئه بيديها. قد لا يزول هذا السبب وراء خجل تسنيم قريباً، فكما تقول أختها فاطمة، لا تتوفر المراهم الجلدية التي تحتاجها لترميم خلايا وجهها وجسدها.