أساليب تزوير جديدة لبيع ممتلكات السوريين
مبنى المديرية العامة من صفحة الفايسبوك
لم تكن خسارة أبو النور (58 عاماً) لممتلكاته في سوريا كغيره من السوريين ممن فقدوا منازلهم في القصف الهمجي والعمليات العسكرية على مدنهم وقراهم. أيو النور كان ضحية التزوير الذي تفاقم في زمن الانفلات الأمني الذي يسود البلاد.
يقول أبو النور: “لم تشهد بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق الغربي، والتي كنت أقطنها منذ ولادتي دماراً في منازلها كونها خضعت لسيطرة النظام السوري أواخر عام 2012 دون محاولات من الثوار باستعادتها. لكنني خسرت عقاراتي فيها بعد خروجي منها متوجهاً إلى تركيا بسبب المداهمات والملاحقات الأمنية التي تعرضت لها”
ويضيف أبو النور: “قبل أيام قليلة أبلغني أحد أصدقائي وهو موظف في الدوائر الحكومية، أن أحد أقربائي من أبناء البلدة الذين كانوا من أكبر مؤيدي النظام قام ببيع منزلي وعدة عقارات أخرى. وبعد التأكد من صحة الخبر حاولت كثيراً بتوكيل محامي لمتابعة القضية واستعادة الأملاك لكن دون جدوى”.
ويشير أبو النور إلى أن “الجميع امتنعوا عن استلام القضية بمجرد السماع باسم المالك، وبعد جهد كبير تمكنت من معرفة الطريقة التي تمت بها عملية البيع، وبعد مراجعة الأوراق الموجودة في أرشيف مديرية المصالح العقارية في مدينة قطنا تبين أن الشخص المحتال قام بإبراز عقود بيع مزورة أمام القاضي وتوجيه دعوى قضائية بتثبيت الممتلكات”.
وتابع أبو النور: “بعد قبول الدعوى تم توجيه 3 استدعاءات لمراجعة المحكمة وحضور الجلسات قبل البت بالحكم والتي لم استلم أيا منها. اكتفى القاضي بشهادة اثنين كان المزور قد استعان بهما على أن البيع تم بحضورهما لإصدار حكم بتثبيت البيع في دوائر المصالح العقارية، ثم قام بنقلها إلى أكثر من مشتري قبل بيعها النهائي”.
يضيف أبو النور: “لم يكن أمامي طريقة سوى التراضي وإرسال الوسطاء للاتفاق معه على صيغة لإعادة ما سلبه، وما كان منه إلا تهديد من يحاول متابعة هذا الموضوع بإحراق منازلهم وهدمها”.
أبو تميم (42 عاماً) وقع أيضاً في فخ التزوير. خسر خلاله منزله بدمشق، لكن الطريقة كانت مختلفة.
يقول أبو تميم لموقعنا: “أبلغني الجيران أن أشخاصاً غرباء بدأوا بالتردد على منزلي الكائن في منطقة “كفر سوسة” في دمشق، وبعد أيام من السؤال والبحث أبلغوني أن قاطني المنزل كانوا قد اشتروه منذ أشهر، واني من بعتهم المنزل”
يضيف أبو تميم: “أجبرني هذا الخبر على إجراء تسوية لأوضاعي الأمنية والعودة إلى دمشق التي غادرتها قبل 4 سنوات، ودخلت بمتاهات المحاكم لاستعادة منزلي، وتبين أن البائع هو صاحب مكتب عقاري قريب من المنزل، ممن لديهم معلومات عن عقارات المنطقة وأصحابها، فعمل على طلب إخراج قيد عقاري من مديرية المصالح العقارية في دمشق، أخذ منه البيانات الخاصة بهويتي الشخصية”.
ويتابع أبو تميم: “ذهب الرجل إلى مديرية الأحوال المدنية، النفوس. وأحضر إخراج قيد مدني لي، وختم عليه صورته الشخصية، وقام بالتقديم على بدل ضائع للبطاقة الشخصية على انه صاحبها، وأتم عملية البيع والفراغ من خلال انتحال شخصيتي وإبراز إخراج القيد المدني الموضوع عليه صورته الشخصية”.
ويوضح أبو تميم أنه “وبعد جلسات في المحاكم استمرت لأكثر من 6 أشهر استطعت استعادة منزلي من الشاري الجديد الذي خسر كل ما دفعه رغم ملاحقة منتحل الشخصية لكنه لم يتمكن من استرداد أي شيء منه كونه يتبع للجان الشعبية الرديفة لعناصر النظام”.
أما أبو محمد الحموي (29 عاماً) فكانت خسارته لمنزله بطريقة مختلفة عن سابقيه فيقول لموقعنا: “عزمت على بيع منزلي في منطقة الحاضر بحماة، بهدف تحسين وضعي المعيشي وشراء منزل بديل عنه في محافظة إدلب التي أعيش فيها منذ سنوات”.
ويضيف الحموي: “بعد السعي لإيجاد زبون يعجبه المنزل ذهب صاحب المكتب العقاري المتوكل بالبيع لإحضار الأوراق المطلوبة من دائرة المصالح العقارية ليراجعها الشاري قبل توقيع العقود والبدء بعملية الفراغ، فوجئ بأن المنزل قد بيع لشخص آخر منذ عام تقريباً، وأخبرني بذلك”.
ويتابع الحموي: “أرسلت محامي من المنطقة للتحقق من الموضوع، وتبين أن زوجتي السابقة التي لم تقم بتثبيت طلاقها في دائرة الأحوال المدنية، كانت قد حصلت على حصر إرث شرعي من محكمة حماة بموجب شهادة وفاة لي اتفقت مع أحد الأطباء على إبرازها، وبالتالي فهي وريثة شرعية لي، ووصية على أملاك أطفالي القصر كونهم يعيشون معها، ومن ثم قامت ببيع المنزل وفراغه بطريقة قانونية على أنه ملك ورثة، وهي مطمئنة من ذلك لأنها تعرف أنني ملاحق من قبل قوات الأمن السوري، وحاول المحامي توجيه دعوى قضائية بأنها زورت شهادة وفاة لي وما زلت على قيد الحياة، لكن القاضي طلب حضوري أمامه لحضور الجلسة وأجلها لحين ذلك”.
وفي المسألة القانونية يقول المحامي محمد عبد الحميد: “إن استغلال العقار والانتفاع به يكون بيد المالك حصراً، ولا يحق لأي طرف القيام بذلك إلا بتفويض مباشر يتم تجديده كل ثلاثة أشهر من المالك، أما عمليات التزوير والاستعمال المزور للعقار فتسمى قانونياً بيع ملك الغير”.
ويوضح المحامي: “أن هذا الأمر جريمة تقع مسؤوليتها على الكاتب بالعدل والقاضي وموظف السجل العقاري، لكنهم لم يخضعوا في المرات السابقة للعقاب كون غالبية عمليات التزوير تكون بمشاركة قوات الأمن والأشخاص المقربين من النظام السوري، والتي تملك قوائم بالمنازل الفارغة وأسماء الأشخاص الذين غادروا سوريا”.
ويلفت عبد الحميد إلى “إن المرسوم الرئاسي الذي صدر في عام 2008 والذي يقضي بمنع بيع العقارات في المناطق الحدودية إلا بموافقة أمنية، ومن ثم تم تعميمه على جميع العقارات في سوريا عام 2014 هو ما يثبت تورط قوات الأمن بقضايا التزوير، فمن الصعب على شخص عادي أن يحصل على موافقة أمنية لأشخاص ملاحقين من قبل أجهزة الدولة”.
المحامي محمد عبد الحميد يروي كيفية استعادة المالك الأصلي لعقاره المسروق في حالة تطبيق القانون: “في حال كان بيع العقار لطرف واحد فقط، يتوجب على المالك التوجه للقضاء المدني أو الجزائي ورفع دعوى إبطال بيع العقار نتيجة استخدام عقد مزور مع المطالبة بالتعويض، أما في حال تعدد البيوع على العقار أو ما يسمى بتنازع المشترين، فيختصر حق المالك الأصلي بالمطالبة بتعويض مالي عن العقار دون استرداده”.
وبحسب مصادر مقربة من وزارة الداخلية السورية فإن مجموع ما تم بيعه في دمشق وحدها عن طريق تزوير الوثائق والوكالات بغية بيع عقارات مملوكة للغير وأصحابها خارج البلاد يقدر بمبلغ يزيد على مليار ليرة سورية أي ما يقارب مليوني دولار أميركي”.