أرامل إدلب تحدي للواقع رغم الصعوبات

من نشاطات مركز "النساء الآن" المخصصة للأرامل في إدلب تصوير نها الحسن

استطاعت الأرملة سناء السيد (35 عاماً) من معرة النعمان أن تصبح معيلة لأطفالها الخمسة بعدما خسرت زوجها في إحدى الغارات الجوية التي استهدفت مدينتها. بإرادتها القوية وعزيمتها الصلبة تحدت سناء السيد مجتمعها المتحفظ وظروفها الصعبة.

تعلمت سناء السيد مهنة صناعة الإكسسوار في مركز نساء الآن وهو مركز لتدريب المرأة في مدينة معرة النعمان، وبدأت تزاول المهنة بكل إتقان وحرفية وإبداع، وكلها شعور بالرضا والنجاح حيث لم تعد ذلك الكائن الضعيف الذي يشكل عبئاً على الآخرين.

السيد واحدة من آلاف النساء اللواتي فقدن أزواجهن إثر الحرب التي شهدتها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. الرجال قضوا في معارك وجراء القصف محملين زوجاتهم عبئاً ثقيلاً لإعالة الأبناء وسط ظروف صعبة يسودها انعدام الأمن وقلة فرص العمل. يضاف إلى ذلك أيضا مجتمع يرصد تحركاتهن في كل لحظة.

وهذه الزيادة الكبيرة في عدد النساء الأرامل في ريف إدلب جعل الطلب على العمل كبيراً، ما جعلهن عرضة للغبن في مسألة أجور النساء العاملات من خلال استغلال جهودهن بأبخس الأجور. الأرملة سهام العلي (30 عاماً) تشكو من قرية تلمنس من تدني أجرها في العمل في غربلة الكمون، والتي لا تتناسب مع الغلاء الفاحش فهي تعمل منذ الصباح وحتى المساء لتتقاضى مبلغاً بسيطاً وهو ألف ليرة سورية يومياً.

وتقول سهام العلي لحكايات سوريا والحزن يملأ قلبها: “انضم زوجي للجيش الحر في العام 2015، واستشهد في إحدى المعارك، تاركاً لي أربعة أطفال، ولأنني لا أملك شهادة وليس لدي وظيفة أو أي مصدر رزق، بدأت أعمل في غربلة الكمون، وعلى الرغم من قلة الأجرة ومشقة العمل إلا أنني راضية بعملي خاصة وأني أرى الكثيرات من الأرامل بحاجة ماسة للعمل ولا يجدن في هذه الظروف المعيشية الصعبة”.

أما الأربعينية فاطمة الشيخ من قرية كفروما فقد اعتقل زوجها منذ بداية الثورة، ولا يوجد أي أخبار عنه إن كان مازال علىقيد الحياة، أم أصبح في عداد الأموات، فاضطرت أن تبحث لنفسها عن عمل لتعيل بناتها السبعة.

وتقول فاطمة الشيخ لموقعنا:”كان يتوجب علي أن أعمل لسد نفقات البيت، لذلك أقوم مع بناتي بتحضير المؤن وبيعها لأن الكثير من الأهالي يفضلون المؤونة البيتية الجاهزة، وما شجعني على هذا العمل هو أننا نقوم به دون مغادرة المنزل ويساعدنا في تأمين لقمة العيش الكريمة بعيدا عن مد يد الحاجة للآخرين”.

الزواج الثاني كان خيار بعض الأرامل للتخلص من الوحدة والأعباء، هبة الحسين (26 عاماً) من بلدة خان السبل خسرت زوجها بغارة. تركها وحيدة وهي لا تزال في مقتبل العمر، فاختار لها أهلها أن تتزوج ثانية للتخلص من نظرة المجتمع القاسية، وتجنباً لثرثرة الناس الذين يراقبون تحركات الأرملة في كل وقت وحين.

عضو مجلس محلي في معرة النعمان أحمد الأسمر (43 عاماً) يقول لحكايات سوريا عن وضع الأرامل في المناطق المحررة قائلا: “ثمة ألم ومعاناة تعيشها الأرامل اللواتي بفعل ما فرضته عليهن الحرب، وكم كان بودنا مساعدتهن لتأمين عمل لائق بهن، ولكن للأسف فإن منحهن سلة غذائية شهرية هو كل ما نستطيع تقديمه لضعف إمكانيات المجلس”.

الأعداد المتزايدة للنساء الأرامل في إدلب وريفها تجعل الدعم المقدم من قبل منظمات المجتمع المدني غير كاف، مما يجعل الحاجة كبيرة لتأهيل النساء الأرامل، وإعدادهن لسوق العمل عبر دورات، وإتاحة فرص العمل لهن، ودعم المشاريع الصغيرة لتخفيف بعض الأعباء والمصاعب عن كاهل أرامل الحرب وتمكينهن من الاعتماد على الذات اقتصادياً بحسب الأسمر.

وضع الأرامل من الناحية النفسية كان موضوع حديثنا مع المرشدة النفسية والاجتماعية مها الكامل التي أوضحت أنه “غالباً ما ينظر المجتمع السوري للأرملة نظرة سلبية ويضع لها حدوداً قاسية في الحركة والعمل والتعلم وممارسة الدور الطبيعي في الحياة، إلّا أن المرأة السورية الأرملة استطاعت نوعاً ما كسر تلك الحواجز ومتابعة حياتها والقيام بمسؤولياتها التربوية والإجتماعية والاقتصادية، وإن كان ذلك مختلف من مكان إلى آخر وبنسب قليلة”

وتشير الكامل إلى “أن الأرامل يعانين بشكل خاص من أفراد أسرهن ومن أقاربهن،ومن المجتمع ومؤسساته المختلفة نتيجة بنية ثقافية منغلقة منذ فترة طويلة من الزمن، بفعل التركيز على الرجل في توفير متطلبات حياة الأسرة”. ونوهت إلى  أنه من أبرز الصعوبات التي تواجه الأرملة تربية الأبناء والتواصل معهم بشكل فعال وخصوصا مع المراهقين في ظل عدم وجود مؤسسات تربوية واجتماعية أو حتى نفسية تتواصل مع هذه الأسر للمساعدة في تخفيف هذه المعاناة.

وتنصح الكامل بأن تقوم منظمات المجتمع المدني بتوفير ورشات توجيه وإرشاد نفسي أسري متخصصة في الوعي الاجتماعي، كما يجب على مديرية الصحة والعاملين في مجال الصحة النفسية تقديم الدعم والوقاية والعلاج للأرامل، وأيضا على الأسرة تفعيل دورها في حماية بناتها من الضغوط بمختلف أشكالها، ومساعدتهن على إعداد أنفسهن وتمكينهن لاستئناف حياتهن من جديد.

معركة الأرامل في ريف إدلب الكبرى مستمرة وتتجلى في التأقلم مع وضعهن الجديد بعد فقدان الزوج والسند والمعيل. الحرب السورية المدمرة تركت النساء الأرامل في مهب الريح مع أطفال أيتام يحتاجون لرعاية الأب وحنان الأم. وفي الوقت الذي تعاني فيه الأم الأرملة من صعوبة الحصول على متطلبات أولادها، هناك مجتمع يرصد تحركاتهن وفقا لعادات وتقاليد بالية لا ترحم.