أراء الشارع السوري: خوف وأمل
من يتابع ويقرأ واقع الثورة السورية عن كسب وبعد مرور تسعة أشهر عليها يتبين له أن الأمور تفاقمت ووصلت إلى منعطف خطير وباتت سلمية الثورة في خطر كبير. الكثيرون يوجهون أصابع الإتهام إلى النظام الذي يتحمل حسب رأيهم مسؤولية تفاقم الأوضاع لأنه يعتمد الحل القمعي والأمني سبيلاً للخروج من هذه الأزمة. فقد مارست السلطة منذ اليوم الأول العنف في مواجهة المتظاهرين السلميين، وأصبح القتل والإعتقال والتعذيب السمة الأساسية لثورة شعبية إتسمت بروح السلمية. أغلب المناطق الساخنة مثل حمص وحماة وإدلب ودير الزور وريف دمشق تشهد القتل اليومي مما أدى إلى ظهور حالات حقد وإنتقام لدى بعض العائلات المتضررة. كما بدأ “الجيش السوري الحر” الذي يتشكل من جنود وضباط منشقين يقوم بعمليات ضد الأجهزة الأمنية والجيش السوري النظامي. قرارات ومبادرات الجامعة العربية لم تفلح حتى الآن بالتأثير إيجابياً على الوضع في سورية. الأوضاع الإقتصادية التي تزداد صعوبة من يوم إلى آخر بالإضافة إلى تنامي ظاهرة عسكرة الثورة، ولّد لدى الكثير من السوريين مخاوف من نشوب حرب أهلية. إستطلعنا أراء شريحة من المجتمع السوري من أناس عاديين ونشطاء ومثقفين ليتحدثوا عن مخاوفهم ونظرتهم للمستقبل القريب.
ترى ربة المنزل السيدة فاديا محمد أن عسكرة الثورة ربما تكون مفيدة في حماية المدنيين قليلاً ولكن “في النهاية كل الجيش السوري هم أبناؤنا. والقتل ليس حلاً!”. تؤيد السيدة إقامة غطاء دولي يحمي المدنيين ولكن دون تدخل عسكري أو حرب كما حدث في ليبيا: “فلا نريد مزيداً من القتل”. تعرب فاديا عن خيبة أملها من الجامعة العربية وقراراتها التي تراها فاشلة، لا تقدم ولا تأخر لأنها حتى الآن لم تفلح في حل الأزمة. تتحدث ربة المنزل عن الخوف الذي ما زال يلازمها وتقول: “لقد إعتدنا منذ الصغر على الخوف في ظل دولة أمنية لم تسمح لنا بالتحدث ببنت شفة حول الظلم الذي يلاحقنا. وهذا بصراحة ما حاولنا أن نزرعه في أولادنا أيضاً”. لكن مجريات الثورة منذ ما يقارب تسعة أشهر غيّر هذا المفهوم لدى الأولاد على الأقل، حسب رأي السيدة فاديا: “جيل اليوم لا يأبه الخوف، فأنا قلبي يعتصر كثيراً على أولادي الذين يشاركون في التظاهرات وأخشى أن يصيبهم أذى يوماً ما.” وقامت العائلة بترحيل الإبن الأصغر إلى خارج البلاد بعدما طُعن بسكين في ظهره إثر مشاركته في مظاهرة إحتجاجية: “أملي أن ينتهي هذا الوضع ولكن بشكل سلمي وأن نتخلص من هذا النظام”.
السيد مراد راجي يتحدث أيضاً عن الشعور بالخوف الذي لم يستطع أن يتخلص منه حتى الآن: “لقد تعودنا على الخوف من بطش رجال الأمن منذ صغرنا. ولا أستطيع التحدث بكلمة ضد النظام بسبب ذلك. أتمنى أن يذهب هذا النظام ولكن دون قتل”. مراد راجي الذي يكسب قوت يومه كعامل بسيط في مدينة واقعة شرق البلاد يحاول أن لا يتدخل في السياسة، يذهب يومياً إلى عمله: “أنا أريد التغيير لكن بطريقة سلمية وأعلم أن النظام لن يترك السلطة بسهولة. وحتى اليوم أخشى أن تفشل الثورة وينتقم النظام من الجميع. لقد زاد الفقر في هذه الفترة وزاد الحقد الطائفي بين الناس بين مؤيد ومعارض، كل واحد يخوّن الآخر”. يعارض مراد أحمد تدخلاً عسكرياً من الخارج: “لأنه سيُدخل البلد في دوامة حرب غير منتهية. كما أنني لست مع عسكرة الثورة لأن الطرفين هم أبناؤنا وأخوتنا وهم يقتلون بعضهم البعض والضباط جالسون خلف مكاتبهم”. ويتفق مع رأي فاديا أحمد عن مبادرة الجامعة العربية: :لا أؤمن بها بتاتاً. فكل الأنظمة العربية قمعية ولن تقوم بأي عمل لصالح الشعب وهذا ما نلاحظه من المهل التي تعطيها لنظام يقتل من أبناء جلدته”.
جواد أحمد فلاح يعمل في أرض زراعية، يذهب يومياً إلى عمله، يتمنى أن ينتصر الشعب ويستطيع التخلص نهائياً من الفقر الذي لازمه لعقود وهو متأكد من أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها لن تتكرر بزوال هذا النظام: “بالنسبة لعسكرة الثورة أنا لا أراها عسكرة فكل الجيش هم أبناؤنا وفيهم من لا يقبل الظلم لشعبه وعندما يطلب ضباطه أن يقتل الشعب لا يقبل، فيقوم بالإنشقاق أو يُقتل”. إلتحق جواد أحمد بخدمة الجيش في شبابه ويقول بأنه يعلم أن الجيش هو لحماية شعب هذا الوطن فقط: “أنا مع أي حماية لأبناء شعبنا بشرط أن لا ننزلق إلى حرب تدمر البلد والشعب، كما لا نخشى الحرب الأهلية لأننا كلنا أخوة فوق تراب هذا الوطن والتمييز لم يكن موجوداً يوماً ما إلا من قبل هذا النظام”.
الدكتور سامر جابر يتخذ موقفاً متحفظاً من حركة الإحتجاجات الشعبية التي تعيشها سورية. طبيب الأسنان لا ينكر وجود بعض الفجوات داخل السلطة: “ولكن كل هذه الأمور تحل بالتوافق والحوار والجلوس على طاولة مستديرة.” ويرى الدكتور جابر بأنه كان يتمتع بالأمان، أما الآن فقد تضررت مصالحه والمستقبل مجهول: “ما نراه منذ اليوم الأول هو وجود شعارات متشددة ومتطرفة ووجود مسلحين يقومون بالتخريب. هناك دول أخرى تخطط تحركاتهم وتحرضهم. وعسكرة الثورة اليوم هو الدليل الواضح على ذلك.” يرى الطبيب أن قرارات الجامعة العربية فاشلة لأنها تدعو إلى تدخل خارجي: “وهذا مرفوض. أنا أتكلم من مبدأ شخصي ولا أفرض رأيي على أحد ولكن لا أتنازل عنه أيضاً”.
يرفض الاستاذ إياد يوسف، وهو كاتب وصحفي وناشط في مجال حقوق الإنسان، إستعمال مصطلح “عسكرة الثورة” ويقول بأن هناك عناصر جيش شرفاء لا يقبلون أوامر قتل أبناء شعبهم مما يدفعهم إلى الإنشقاق وخاصة أنهم يشاهدون التظاهر السلمي وعدم وجود مسلحين كما يدعي ضباطهم: “أما مطلب الحماية الدولية فبعد مرور تسعة أشهر على الثورة والقتل من جهة واحدة فإنه في هذه الحالة تسقط شرعية النظام القائم. لذا من البديهي ومن حق هذا الشعب المطالبة بحمايته من آلة قتل هتكت الشعب ودمرت الحياة في سوريا”. وكانت مبادرة الجامعة العربية، حسب رأي الناشط، بمثابة فرصة لإخراج النظام من عنق الزجاجة كي يستطيع الفرار بريشه: “لكن تعنته ورفضه للمبادرة يصب في باب حماقة وإعلان حرب على الشعب وكل العالم. وما أراه ويراه العالم أجمع حتى اليوم أن الجامعة بمهلها وإعطائها فرصاً للنظام تساعده أكثر من مساعدتها لشعب يقتل منه في اليوم العشرات”. إياد يوسف متأكد من أن النظام لن يوقّع على المبادرة العربية: “كلنا يعلم ما معنى دخول مراقبين دوليين إلى سوريا. فذلك يعني كشف زيف مقولة النظام عن العصابات المسلحة وإظهاره على حقيقته!”
(قامت أسرة التحرير بتغيير أسماء المشاركين بالاستطلاع.)