أبي بخيل وسيء الطباع

إسمي أمل، أعيش في مديرة (بلدة صغيرة في الغوطة الشرقية). أبلغ من العمر ثمانية عشرة ربيعاً, لم يتسنى لي إكمال تعليمي حيث وصلت إلى الصف السادس الابتدائي فقط.

عائلتي مكونة من الأب والأم ثلاث بنات وخمس شباب.

أبي  كان يعمل فلاحا قبل الثورة, يستأجر أراضي ويزرعها. تتساعد الأسرة بأكملها بهذا الأمر لكنه لم يكن يعطينا أي أجر، بمعنى أننا  نساعد الأب مقابل الطعام والشراب والمبيت، بالإضافة إلى أنه كان ينفق النذر اليسير على العائلة لأنه بخيل بالفطرة.

ابتسمت أمل  ابتسامة تنم عن الرضا عندما تطرقت إلى الحديث عن امها.

أحب أمي من كل قلبي، فهي التي أنفقت فعليا على المنزل جراء عملها في خدمة البيوت والحقول. أمي حنونة جداً لكني بصراحة كنت استفزها بشدة، تحتد قليلا لكنها تعود فترضى … يجوز لأنها كانت تدرك أن سن المراهقة تتغير به الطباع.

أبي كان قاسيا عصبي المزاج، يضرب الجميع بما فيهم أمي التي تحملت الكثير بصمت. لكن مؤخراً بدأ ينفذ صبرها، فأصبحت تتشاجر معه ما أدى إلى رحيله عن الأسرة، وقد دام هذا الرحيل لمدة أربعة أشهر. خلال هذه الفترة تعبت أمي وأنهكت قواها، فهي لم تعد فتية حيث يبلغ عمرها 64 عاماً.

صمتت أمل قليلا ثم ذكرت بقية أفراد العائلة.

الشهيد محمد, كان يبلغ من العمر 22 عاماً، استشهد في شبعا والتي كانت تعتبر جبهة فعلية تقوم بها المعارك بين الجيش الحر والقوات النظامية … تزوج  لمدة شهرين فقط ونحمد الله على أنه لم يترك طفلا يتيماً.

أخي  الثاني أحمد، التحق بالجبهة لكنه لم يملك المال لاقتناء السلاح. هو يقوم بالربط والربط يعني أن يقف الشخص لمدة ساعات معينة حيث يستعير سلاح من أحد أفراد المجموعة، وعندما تنتهي المناوبة يقوم بتسليم سلاحه .. أحمد ليس مقتنعا بالانتساب لأي فصيل عسكري لكن  الغوطة محاصرة، والبطالة تدفع الشباب رغم عدم قناعتهم إلى الالتحاق بالفصائل العسكرية. أحمد يعطي أمي كل راتبه والذي يبلغ 12 ألف ليرة سورية.

ذكرت أمل أن أخويها الثالث 27 عاماً والرابع 28 عاماً، يعملان بالزراعة، بأجرة لا تكاد تكفي لسد الرمق. يتقاضى الواحد منهما 600 ليرة سورية وساعات العمل منذ الفجر وحتى المغرب.

ووصفت أمل الأخ الخامس بأنه متزوج وغير مسؤول عن العائلة الكبيرة.

منذ وعيت على الحياة لم يكن لدي أصدقاء، يجوز أن يكون السبب هو ظروفنا المادية! حيث كان الجميع يبتعد عني رغم أنني لطيفة و ودودة.

 اضطررت منذ  منذ سنتين أن أحلّ مكان أمي بالخدمة في البيوت لأن التكاليف اليومية بمنتهى الغلاء ولا شيء يسد الرمق.  تركت الدراسة لأني شعرت أني مهملة، وكنت  ألاقي صعوبات جمة في الدروس ولم يكن هناك من يساعدني.

أحلامي بسيطة جدا، الزواج, عائلة مستقرة, لا يهمني الغنى المهم أن يعاملني  زوجي باحترام وأن يحضر لي الطعام وألا أتعرض للجوع.

بعد غياب أبي 4 أشهر عن المنزل ذهب أخي الأكبر وتوسل إليه كي يعود، لا لشيء وإنما لمجرد وجود أب بالمنزل .

أبي لا يهمه إن عملت بالبيوت أو بأي شيء آخر. جلّ اهتمامه احتساء كوب الشاي المحلى بالسكر الحقيقي (السكر الحقيقي هو المتعارف عليه لأن هناك بدائل هنا في الغوطة كالسكرين وروح السكر) حيث يحضر كميات بمنتهى الصغر ليصنع ابريقا لا يستطيع أي من أفراد العائلة مشاركته به.

حصلت تغييرات بشخصية أمي  منذ عودة أبي، فهي لم تعد تلك السيدة المسالمة بل أصبحت تتمرد ولم تعد تلوذ بالصمت إزاء تصرفاته الوحشية.

أبي بخيل وسيء الطباع هكذا كان قبل الثورة وجاءت الثورة لتزيد الأمور سوءاً.

يضربوا هنّي وهالثورة .. والله كنا عايشين أحسن.