نشطاء الإغاثة في حلب بين الإعتقال ونقص الموارد

رشا رامي

دخلت مدينة حلب في بداية شهر رمضان هذا العام سباق المحافظات الأكثر معاناة من القتل والتهجير، لتتنافس مع محافظة حمص على المرتبة الأولى. فبين سيطرة الجيش الحر على العديد من الأحياء السكنية

نازحون في مدرسة هدى الشعراوي في حلب. فيسبوك – صفحة أنور بنود

وقصف الجيش النظامي، تحولت هذه الأحياء إلى ساحة حرب يستحيل العيش على أرضها. تدفقت أعداد هائلة من النازحين إلى المناطق الأكثر أمناً، فمنهم من افترش الحدائق العامة أو نزل ضيفاً على أقاربه، ومنهم من بقي في شوارع المدينة يبحث عن سقف يحمي عائلته من القصف.

وفي ظل هذه الظروف سارع الكثير من أهالي حلب إلى مطالبة الجهات المختصة في الدولة لفتح المدارس والوحدات السكنية في المدينة الجامعية لاستقبال الأعداد المتزايدة من النازحين.

وبالفعل بدأت المدارس في المناطق الآمنة بفتح أبوابها لهم حتى وصل عددها إلى حوالي 120 مدرسة تستوعب كل منها بين 350 و400 شخص، بالإضافة إلى 3000 شخص في المدينة الجامعية، ومع ذلك لم يتم استيعاب كل النازحين وبقي الكثير منهم في الحدائق.

مشاكل الإغاثة والعمل الميداني

في ظل الظروف الميدانية التي تعيشها مدينة حلب ليس من السهل تنظيم أعمال الإغاثة، فقد أكد لنا العديد من المتطوعين أن المشاكل تعود بالدرجة الأولى إلى غياب التنسيق بين الأفراد والجمعيات المسؤولة عن تجمعات النازحين.

“يجب تخصيص جهة واحدة لشراء المواد الغذائية والمستلزمات الطبية واحتياجات الأفراد وتستلم التوزيع العادل،” يقول أنطوان. ” ما يجري أن مشرفي المدارس من المتطوعين يحاولون احتكار ما يستطيعون من مواد وتبرعات وتخزينها دون التفكير بأن الأعداد بازدياد؛ فقد بدأ مشروعنا بمدرسة واحدة واليوم لدينا العشرات، عدا من هم في المنازل ولا يستطيعون تأمين الطعام لأنفسهم ولأولادهم.”

يلوم أنطوان وأصدقاؤه الدولة والجهات المحلية على هذا التقصير. تقول زميلته هيفاء: “بالرغم من الظروف التي تمر بها المدينة فقد تقرر بتاريخ 16 أيلول [سبتمبر] إخلاء المدارس لبدء العام الدراسي، في حين لم يتم تأمين البديل للنازحين؛ كيف سنحميهم من السرقة والتشرد إن لم نقدم لهم التوجيه الصحيح والمساعدة وهم في نيام في الشارع؟”

شهر الكرم

كان ملفتاً خلال شهر رمضان الكريم تسارع الكثير من التجار وأغنياء المدينة لتقديم التبرعات المادية والعينية بكل سخاء، وعند انتهاء الشهر الكريم انتهى معه موسم التبرعات بكل أنواعها. يقول رائف: “استطعنا جمع مبلغ مليوني ليرة سورية خلال الأسبوع الثاني من رمضان، وتأمين 800 حصة غذائية تكفي الفرد الواحد لمدة شهر بالإضافة إلى المستلزمات الطبية، واليوم لا نمتلك أي مبلغ مادي وبتنا نستجدي التبرعات وكأننا متسولون.”

ويزيد من صعوبة الإغاثة إنقطاع الإتصالات والبنزين، إضافة إلى المشاكل الأمنية وانقسام المدينة بين أحياء للجيش الحر وأخرى للجيش النظامي، مما شكل خوفاً لدى االمتطوعين خاصة عند نقل الأدوية، فهي باتت غنيمة لمن يود مداواة جرحاه، بحسب أقوال المتطوعين.

ولم تقتصر هذه العراقيل على الجميعات الأهلية بل طالت أيضاً الهلال الأحمر في فرع حلب، مما اضطر المنظمة إلى تعليق عملها لفترة من الزمن بعد سرقة سيارات الإسعاف، وتوقيع نداء بالتعاون مع باقي الجهات يدعو إلى حماية جميع الفرق الإغاثية.

معتقل… وتهمتي عمل الخير

كل تلك العراقيل يعتبرها المتطوعون بسيطة بالمقارنة مع الإعتقال الذي يطال البعض منهم، مما أدى إلى إعراض البعض عن العمل في الإغاثة، وهرب البعض الآخر إلى بلدان أخرى بعد أن صدرت بحقهم مذكرات توقيف. وحتى تاريخ اليوم وصل عدد المعتقلين إلى 17 شاب وفتاة بسبب استلامهم حوالات مالية، وهو ماحدث مع فادي د.، الذي يقبع في أقبية المخابرات الجوية منذ شهرين. والمعروف عن هذا الفرع أنه من أكثر الأفرع الامنية قسوة؛ فبالرغم من كل البراهين التي قدمها فادي وأصدقاؤه المعتقلون وأهله التي تشير أن الأموال هدفها مساعدة النازحين، أصر المحققون أنها لتمويل الإرهاب.

في حين كان فادي بعيداً كل البعد عن العمل السياسي والثوري، فإن أنور بنود له تاريخ مع الإعتقالات منذ عام 2000 عندما لم يتجاوز عمره التاسعة عشرة. إعتقل أنور بعد أن انضم إلى إعلان دمشق كأصغر عضو في المجموعة، وتوالت الإعتقالات بعد اندلاع الثورة في سورية، وكان من أوائل الشباب الثائر في حلب، وممن قاموا بتنظيم المظاهرات والهتاف في ساحات حلب الكبرى ضد القتل والإرهاب والفساد.

وكحال فادي، عندما امتلأت الشوارع بنازحي حمص ومن ثم حلب بدأ أنور العمل على تأمين اقل مستلزمات الحياة لهم، متكاتفاً مع المؤيد والمعارض والحيادي، فالهدف بالنهاية هو مساعدة الأفراد وليس السلطة، كما يقول.

إلتقيت أنور في أنطاكية. يروي أنور قصة هروبه من سوريا، بعد أن صدرت مذكرة توقيف بحقه أيضاً تاركاً خلفه 5000 شخص يعتمدون على وجبة الغداء التي يقوم بتأمينها لهم في مطبخه البسيط الذي قام بإنشائه مع مجموعة من الأصدقاء.

يقول أنور: “أعتبر نفسي من المحظوظين كوني استطعت الهرب من حلب بمساعدة الثوار، الذين لم انقطع يوماً عن العمل معهم ومتابعتهم منذ بدء الثورة، وبالرغم من تركي لعائلتي تحت رحمة الخوف من اعتقالهم، ولكنه الحل الوحيد بعد أن توعد أحد العناصر والدي بأنه سيمسك بي حتى  لو كنت “متخبي بالقصر”- أي القصر الجمهوري.”

كان هم أنور الوحيد عندما داهم عناصر المخابرات مكتبه إخراج علب الأدوية المخبئة في المنزل حماية أفراد عائلته.

“لو لم يقدم لي شباب الثورة المساعدة بمراقبة المنزل وإخراج الأدوية وحماية أخي ووالدتي، لكانا اليوم في المعتقل يتعرضان للتعذيب،” يضيف أنور.

وقد بدأت العديد من المشاكل بالظهور في مدينة حلب ومنها كثرة المتشردين والإستيلاء على المنازل والمزارع الفارغة والسكن فيها، مما يشير إلى أن جهود الإغاثة ضرورية أكثر من أي وقت مضى.

في ختام لقائي مع رائف وباقي المتطوعين، ذكروا جملة تستحق الوقوف عندها: “إن كان حل الأزمة، اعتقال نصف الشعب من قبل النظام، وتشريد النصف الآخر من قبل الجيش الحر، فأعتقد أن الأزمة في طريقها للحل، وبالتالي لم يبقَ شعب يطالب بحريته أو بإصلاحات، وإنما شعب يركض وراء لقمة عيشه فقط.”