ناشطو الرقة بين مخطوف ومهاجر وصامد
(الرقة، سوريا) – “أهلنا في الرقة أعذرونا والله أحب إلى قلوبنا أن ندخل الاطمئنان لقلوبكم، كنا نتمنى أن نُطلَّ عليكم في البيان الختامي لحظة سقوط الطاغية بشار الأسد لكن الظروف أقوى منا”.
بهذه الكلمات الحزينة ودّع أعضاء “المركز الإعلامي بالرقة” أهالي مدينتهم في بيان نشروه على صفحتهم الرسمية في “فيس بوك” يوم الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر. أعلن “المركز” في هذا البيان توقفه عن العمل الإعلامي وإغلاق مكتبه وكافة صفحاته على الويب، ثم تبعه “مكتب الرقة الإعلامي” وعدد من المكاتب والصفحات الإعلامية في الرقة. جاء هذا القرار على خلفية جلد أحد مراسلي المركز الإعلامي من قبل مقاتلين من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عندما كان يصور حركة الأسواق في المدينة، واتهم التنظيم المركز بـ”العمالة للنظام السوري”، بحسب ما جاء في البيان.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها إعلاميون للضرب من كتائب المعارضة، فقد تكررت حوادث ضرب ناشطين إعلاميين مستقلين في المعارضة على يد مقاتلين من أكثر من مجموعة، بعد تصوير أماكن القصف وشوارع المدينة، بحجة أنها تعطي إحداثيات للنظام.
ولكن ليس الضرب هو أقصى ما يتعرض له الناشطون في الرقة، ففي شهر تشرين الأول/ أكتوبر وحده، خطف مجهولون كلاً من الناشط الإعلامي حازم الحسين والدكتور والناشط اسماعيل الحامض، حتى رجل الدين القاضي عبد الله العساف وهو عضو في الهيئة الشرعية في الرقة تم اختطافه، ويشير مصدر مقرب من الهيئة الشرعية رفض ذكر اسمه بأن “الدولة الإسلامية” قد تكون وراء الاختطاف لأن آراءه كانت تخالف التنظيم. وفي الشهر ذاته، اعتقلت “الدولة الإسلامية” كل من الناشطين عبدالإله الحسين وعبدالله المشرف ومحمد الشعيب ثم أفرجت عن عبدالله ومحمد بعد يومين من الاعتقال وبقي عبدالإله معتقل بتهمة مجهولة.
ونُشِرت على موقع “فيس بوك” صور لمحمد الشعيب تظهر تعرضه للتعذيب.
لم تكن أعمال الخطف والاعتقال تجاه الناشطين بالأمر الذي يستدعي هجرتهم إلى بلدان مجاورة، لكن اغتيال الناشط مهند حاج عبيد المعروف باسم مهند حبايبنا فجر الاثنين 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وهو أحد أعضاء “المركز الإعلامي بالرقة”، قلب الموازين في المدينة. ظهرت على صفحات “فيس بوك” منسوبة إلى ميلشيات “قوات الدفاع الوطني في الرقة”، التابعة للنظام السوري، منشورات تتبنى قتل الناشط. وكان اعضاء “قوات الدفاع” قد اختفوا بعد سيطرة المعارضة على المدينة العام الماضي. شعر البعض ومنهم الناشط سمير (اسم مستعار) أن خلايا النظام تتحرك بحرية في المدينة، خاصةُ أن المدينة تكاد تخلو من الحواجز الأمنية، الأمر الذي “يزيد من عدد العصابات والشبيحة”، كما عبر سمير.
باسل أصلان (22 عاماً) ناشط إعلامي اضطر للهجرة إلى مدينة أورفا التركية بعد تلقيه رسالة عبر صفحته على “فيس بوك” أثناء تواجده في مقهى في الرقة، فسرها على أنها تهديد بالقتل. يقول أصلان في مقابلة عبر الانترنت: “أرسل لي أحد الأشخاص صورة لمهند حبايبنا بعد قتله مباشرة، أي أن هذا المرسل هو القاتل، وما الصورة إلا رسالة أني أنا التالي”. ثم يتابع كنت أرجف عندما أتاني التهديد، وأحسست أن مرسله هو شخص موجود معي في الكافتيريا ذاتها، إلى أن هدأني أحد رفاقي وأوصلني للبيت، وسافرت في اليوم التالي إلى تركيا”.
لم يعرف أصلان هوية الجهة التي قامت بتهديده، ولم يبحث في ذلك أيضاً خشية من استهدافه من قبلها.
التهديد بالخطف والاغتيال يطال حتى من أصبح بالخارج. سعاد نوفل (40 عاماً) مدرّسة وناشطة كانت تعتصم وحدها بشكل شبه يومي أمام مقر “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في الرقة وترفع لافتات تطالب بالإفراج عن المخطوفين ومعتقلي الرأي. على الرغم من مغادرة سعاد إلى مدينة أورفا في تشرين الأول/ أكتوبر، فهي لا تزال تتلقى رسائل تهديد عبر الانترنت من جهات مجهولة.
تقول نوفل: “التهديدات لم تنقطع إلى الآن. يريدوني حيّةً أو ميتة، حتى لو كنت في آخر الدنيا”. سعاد تعرضت لإطلاق رصاص من أحد أمراء “الدولة الإسلامية” في اعتصامها قبل الأخير في المدينة في 26 أيلول/ سبتمبر.
“ركضوا خلفنا وأوقفونا، وأختي رمال كانت تبكي وتصرخ ممسكة بطرف بندقية المسلّح الذي كان يصرخ “حدك القتل يا كافرة يا مشركة (…) “رمال كانت تبكي وترجوهم أن يتركوني في حين كان الرصاص ينطلق من البنادق دون أن أعرف أكان تجاهي أم إلى السماء”.
عادت نوفل لتعتصم من جديد بعد مجزرة مدرسة ابن طفيل التجارية إلا أنهم مزقوا اللافتة التي كانت تحملها و”أحدهم مسح على لحيته وأشار على رقبته ففهمت أنهم أهدروا دمي” ، كما قالت “بعد تلك الحادثة بدأت تصلني تهديدات وكان بيتي ومدرستي مراقبَين؛ هذا ما أخبرني به أناس منهم متعاطفون معي”.
لم تكن نوفل وأصلان الوحيدين في الرقة اللذين اضطرا للهجرة خارج البلاد، فقد هاجر في تشرين الأول/ أكتوبر وحده حوالي 30 ناشطاً بحسب محمد 32) عاماً (وهو ناشط إعلامي لا يزال في المدينة.
هجرة النشطاء، كما قال محمد، جاءت بعد تردي الأوضاع الأمنية في المدينة، وكثرة التهديدات مجهولة المصدر التي أتت معظمها عن طريق موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
الخطر قد يطال الناشطين المدنيين بشكل أكبر من أولئك الذين يعملون مع الفصائل العسكرية المعارضة، كما يذكر الناشط الإعلامي عمار محسن 26) عاماً) وهو أحد إعلاميي لواء “أويس القرني” التابع لـ”حركة أحرار الشام الإسلامية” السلفية، إحدى الفصائل العسكرية التي تسيطر على المدينة والتي تتصارع في ما بينها. حيث يرى محسن أن المدني هو “طريدة أسهل للخاطفين، لعدم وجود قوى على الأرض تحميه وتطالب به إنْ خُطف على عكس المسلح”.
قد يكون محسن مصيباً، ففي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر خطف قائد كتيبة “راية الإسلام” في لواء “أويس القرني” المعروف بـ”أبي رعد ويسات” من قبل مجهولين جردوه من سلاحه وتركوه موثوقاً في بيت مهجور. إلا أن مقاتلي اللواء تمكنوا من تحريره في أقل من ساعتين، بحسب ما يقول مدير المكتب السياسي لـ”لواء أويس القرني” أبو النور، الذي يؤكد أن الجهد نفسه يبذل لتحرير العسكريين والمدنيين .
بعد اضطرار معظم النشطاء إلى السفر، يعيش الذين لا زالوا في المدينة حالة استنفار دائم، ففي أي لحظة قد يُخطف أحدهم أو يُقتل. يقول الناشط الإعلامي محمد “لم تعد المدينة كما كانت عليه، لم أعد أستطيع البقاء لوقت متأخر خارج البيت”. لكن محمد لم يوافق على فكرة هجرة الناشطين خارج المدينة ويعتبر ذلك “تنصلاً من المسؤولية “كما قال وأضاف “نحن عندما قررنا أن نتفض على النظام توجب علينا بذل الغالي والرخيص لهذه الغاية المنشودة، فإن تركنا المدينة للعابثين سوف تنتهي الثورة”.