من يعيد لمصابي الحرب أطرافهم التي فقدوها؟
خالد وليد مهيدي
شرد خالد بفكره قليلاً ليبدأ بالكلام بعدها بغصة واضحة بكلماته. خالد وليد مهيدي طبيب علاج فيزيائي، عضو اتحاد الطب الرياضي سابقاً. يبلغ من العمر 36 عاماً حين اندلعت الثورة انضم الى صفوفها. عمل في المشافي الميدانية في دير الزور متخلياً عن عمله السابق كطبيب للمنتخبات الرياضية في سوريا وكمعالج فيزيائي لتأهيل المصابين.
في العام 2013 وبينما كان يقوم بعمله في إحدى المشافي الميدانية، صاروخ استهدف المبنى. أصيب مهيدي بشظايا استقرّت في الرقبة، وأدت إلى كسر فقرة رقبية وحرق بالعصب وقطع شرايين.
يقول خالد: “حاولوا إسعافي بعد توقف عضلة القلب نتيجة النزف الحاد، تمَ صدمي بالكهرباء وتعويضي بـ 11 وحدة دم. وأثناء العمل الجراحي تعرض المشفى للقصف مجدداً وأصيبت غرفة العمليات بشكل مباشر، وتوقفت عضلة القلب مجدداً وتم نقلي لمشفى الشاهر الخاص في الميادين من اجل اكمال العمل الجراحي”.
ويضيف: “نقلوني إلى تركيا رغم فقدان الأمل ببقائي على قيد الحياة. كنت في حالة غيبوبة لمدة 10 ايام مع شلل رباعي كامل وبعد 6 أشهر، منَّ الله علي بالشفاء لأخرج من المشفى وابدأ بحياة جديدة مليئة بالألم. اقيم حاليا في تركيا وأعمل كمحاسب في منظمة، كوني لا أستطيع ممارسة مهنتي كطبيب علاج فيزيائي”.
مصطفى الباشا لم يكن أوفر حظأً من خالد، بدأ يتكلم عن قصته مع الإصابة وكيف غيرت مسار حياته. مصطفى، يبلغ من العمر 32 عاماً، تخرج عام 2012 من كلية الهندسة التقنية وتوظف في مؤسسة المياه بحلب، وهناك بدأت الضغوط عليه من قبل “شبيحة نظام الأسد” كونه مقيم في المنطقة الشرقية في حلب والتي كانت تحت سيطرة الثوار والجيش الحر.
يقول مصطفى: “بدأت أتعرّض للضغوط من قبل مدير المؤسسة وبعض الموظفين، كانوا يسألونني عن الأوضاع في المناطق المحررة والإستهزاء بالثورة والقيم التي تحملها. مما اضطرني لترك العمل بعد فترة قصيرة حفاظاً على سلامتي، كون افكاري كلها منحازة للثورة ولم أستطع ان أخفيها خلال ردّي على أسئلتهم”.
ويضيف مصطفي: “بعدها مكثت في المناطق المحررة بشكل دائم وبدأت العمل كمتطوع في محطة المياه الرئيسية في مدينة حلب كمهندس مشرف على التشغيل، بالإضافة إلى إدارة فرق صيانة شبكات المياه، والتي كانت تتعرض لتدمير ممنهج من خلال القصف اليومي بالطيران الحربي والمروحي دون تمييز أو تحييد للمنشآت الخدمية”.
يأخذ مصطفى نفساً عميقاً ويتابع: “في العام 2015 وأثناء عودتي إلى المنزل بصحبة أحد الأصدقاء، قامت مروحية برمي برميل متفجر فوقنا، مخلفاً مجزرة أودت بحياة 25 شخص على الأقل بينهم صديقي، أما أنا فتعرضت لعدة إصابات في الوجه واليد والظهر”.
ويقول مصطفى: “فقدت الوعي حينها، تم اسعافي إلى أحد المشافي بحلب ومنه لمشفى ثاني، فثالث، إلى أن تم نقلي لتركيا على ما قالوا لي، بسبب إصابة في الوجه أدت لكسر وفقد بالفك العلوي وخسارة الأسنان وبعض الجروح في الوجه”.
ويتطرق مصطفى إلى “رحلة العلاج في تركيا وتمتد لعامين ونصف، تضمنت تجميل وترميم بالوجه وتعويض الفقد العظمي للفك العلوي، حيث قمت بزراعة عظم طبيعي مرتين ولكن في كل مرة كانت العملية تفشل واضطر لنزع ما يتم زراعته بعملية جراحية جديدة”.
يلفت مصطفى إلى حالة الإحباط التي عاشها: “خسرت وطني وعملي وكل شيء، بالإضافة إلى أن الإستقرار والعمل في تركيا يتطلب تعلم لغة جديدة وتعديل الشهادة الجامعية، مما اضطرني إلى تعلم مهنة جديدة تتناسب مع وضعي الجديد”.
يتوقف مصطفى عن الكلام قليلا ويتابع: “بدأت بتعلم تصميم الجرافيك من خلال قنوات اليوتيوب، وتنفيذ تصاميم بسيطة للدائرة المحيطة، ومع مرور الوقت طورت نفسي وأصبح لدي مهارات جيدة مكنتني من دخول سوق العمل والظفر بعمل جزئي في إحدى المنظمات الإنسانية، لتبدأ حياتي تتحسن تدريجياً بفضل من الله، وقمت بعدها بتركيب أسنان مع تعويض الفقد العظمي بمواد صناعية خارجية خففت المشكلة نسبياً”.
لم يتقدم الدكتور خالد مهيدي ولا المهندس مصطفى الباشا بدعاوى ضد النظام السوري يضيف المهيدي قائلا : “لست قادراً بعد على التقدم بدعوى ضد النظام رغم كرهي الشديد له ولجميع من يعمل معه، الاصابة غيرت حياتي بشكل جذري وعانيت كثيراً أثناء العلاج وحتى الآن أعاني من الألم الجسدي والنفسي. ولكن من يصغي لي ولكل من اصيب وتشوه جراء القصف المجرم العشوائي من قبل قوات الأسد؟”
علي الزير المحامي المختص في قضايا العدالة الانتقالية يقول رداً على سؤال حول إمكانية رفع دعوى من قبل المهيدي والباشا ضد المعتدين:”الامر بداية يرتبط بنوع الدعوى القضائية التي يجب التقدم بها، جريمة ضد الانسانية، جريمة حرب، ابادة جماعية. وبحسب علمي الى الان لم يتم استخدام هذا النوع من الانتهاكات في الدعاوى المرفوعة حالياً. وبالتالي لا اعلم إذا كان هناك أي جهة تعمل حاليا على هذا الموضوع”.
ويوضح الزير أنه “من حيث المبدأ يمكن رفع دعاوى على من تسبب بهذه الانتهاكات والمطالبة ايضا بالتعويض للضحايا ولكن اعتقد ان هذا الامر سيكون خلال فترة العدالة الانتقالية”.
وبانتظار إنطلاق مسار تطبيق العدالة الانتقالية يبقى السؤال: من يعوض هؤلاء الشباب الذين أصيبوا إصابات بالغة سببت لهم تشوهات، بعضهم خسروا أطرافهم فيما يعاني بعضهم من حالات تمنعهم من العودة إلى ممارسة حياتهم وأعمالهم بشكل طبيعي؟